قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Sunday, October 31, 2010

مما سبق - لمصلحة من؟

كان الفيلسوف الكلبي الشهير (ديوجين) يمضي تحت جنح الظلام حاملاً مصباحًا يفتش به عن رجل واحد شريف، ويقال إن بحثه كان سدى .. أعتقد أن القصة تتكرر في عالمنا العربي اليوم، لكن (ديوجين) المعاصر كان سيتعب كثيرًا جدًا في البحث عن رجل واحد يتحرى الدقة والعدل ..

سوف يبدو هذا المقال للبعض دفاعًا مستميتًا عن الحكومة في أسوأ وقت ممكن، لكنه ليس كذلك على الإطلاق، فليس الدفاع عن هذه الحكومة المتخبطة الفاسدة من الأمور المحببة للنفس .. إنه دفاع عن الدقة وعن تحري الصواب فيما يقوله المرء دون الخضوع لدكتاتورية الجماهير، ودون الشهوة الطاغية لأن تقول لها ما تريد سماعه .. أذكر مقولة بديعة للشيخ (القرضاوي) يقول فيها: إن نفاق رجل الدين للحاكم أمره مفضوح وبالتالي خطره محدود.. لكن الخطر كل الخطر هو أن ينافق رجل الدين الجماهير بأن يقول لها ما تحب سماعه .. الحقيقة أن المواطن المصري قد تغير كثيرًا جدًا، وما أريد قوله هو أن هذه الحكومة هي الإفراز الطبيعي لهذه الحالة.. إن الشعوب تستحق حكوماتها وكيفما تكونوا يول عليكم .

مما سبق - برعم الوردة

pixabay

يموت رجل الأعمال الملياردير وآخر كلمة يلفظها هي : (روزباد) أي برعم الوردة ... ترسل الصحف الأمريكية مندوبيها في تحقيق مرهق طويل لمعرفة كنه هذا الـ (روزباد).. يتحركون في كل اتجاه .. ما الذي مات الملياردير وهو يتمناه ؟ .. هو الذي أنشأ جنة صناعية كاملة اسمها (زانادو) فيها كل ما يشتهي .. في نهاية الفيلم نكتشف أن (روزباد) هي الزحافة التي كان يلعب بها في طفولته والتي اضطرت أمه لبيعها .. هكذا كبر الملياردير وامتلك أمريكا ذاتها لكنه ظل يتحرق شوقًا في عقله الباطن للعب بتلك الزحافة الصغيرة !... هذه هي القصة المؤثرة لفيلم (المواطن كين) تحفة (أورسون ويلز)، والذي يحكي قصة حياة ملك الصحافة الأمريكي (راندولف هيرست... )ـ

عندنا في العامية المصرية نقول: "اللي ما شبعش على طبلية أبوه عمره ما يشبع".. وهو يفسر حالة الجوع النهم لدى كل هؤلاء المليارديرات الذين يملأون المجتمع المصري اليوم ولا يشبعون من النهب أبدًا .. السبب ببساطة أنهم لم يشبعوا في طفولتهم 
ينطبق الكلام على المال 
ينطبق على الحنان 
ينطبق على الحب 
***

Saturday, October 30, 2010

«بالغاظ عنه»!



كل طفل له مصطلحاته الخاصة التي يطلقها على الأشياء.. هذا شيء تعلمته كل أم. من الواضح أن لفظتي (ماما) و(بابا) سهلتان جدًا وأقرب إلى النغمات منها للحروف، لهذا ينطقهما كل طفل في العالم بالطريقة ذاتها.. لكن الأطفال يتباينون بينهم في الكلمات المختلفة.

Friday, October 29, 2010

مما سبق - أنا على أخويا وابن عمي

في فترة ما من حرب العراق، كانت المقاومة شيعية أساسًا قبل أن يقرر الصدر أن يحقن دماء رجاله، وكنت في تلك الآونة أتلقى سيلاً من الرسائل على بريدي الإلكتروني خاصة بإحدى مجموعات الأخبار، وبالطبع كان اسم المرسل مستعارًا لكنه اسم (أصولي) جدًا.. كان محتوى الرسائل واحدًا تقريبًا .. الشيعة كفرة .. الشيعة خارجون على الملة .. البرهنة بالأدلة على فساد عقيدة الشيعة .. كل رسالة طويلة جدًا تحتاج إلى ساعة في قراءتها، ومعها عدد لا بأس به من الصور تظهر الشيعة وهم يمزقون أجسادهم بالجنازير أو السياط في الاحتفالات .. أو أحد الأئمة يقبل طفلاً في شفتيه مع تعليق يقول : الشذوذ الجنسي ضرورة عند الشيعة .. الخ ...

يومًا بعد يوم تنهمر على الرسائل، ويمتلئ بريدي عدة مرات في اليوم .. هذا رجل كرس حياته لقضية واحدة يهون من أجلها كل مرتخص وغال ألا وهي أن الشيعة (موش تمام)..

في النهاية لم يعد الأمر محتملاً فكتبت ردًا على ذلك المخبول بحيث يُتاح للجميع في ذلك المنتدى قراءته .. قلت في هذا الرد: "عزيزي .. في الآونة الحالية التي ينتهك فيها الأمريكيون أعراض العراقيين، ويذبح شارون الفلسطينيين، لا يبدو أن هناك طرفًا قادرًا على القتال راغبًا فيه إلا حزب الله في لبنان وشيعة العراق، أي أن الشيعة هي الفئة الوحيدة التي تحارب الأمريكان والصهاينة في العالم الإسلامي كله .. فهل تعتقد بحق أن هذا أنسب وقت لإثبات أنهم كفرة فاسدو العقيدة ؟.. معنى كلامك أن من يحارب الأمريكان والصهاينة اليوم كافر.. وهي لعمري رسالة مريبة .. أنا لا أعتقد أنك عميل للمخابرات المركزية .. فقط أنا أعتبرك مجرد متعصب أحمق آخر ."

لم يرد الأخ المتحمس وأعتقد أنه كان ذكيًا، لأني أعددت له ردًا موجعًا على رده الذي لم يبعث به .. فقط تلقيت بضعة خطابات أكثرها من البحرين تؤيد ما قلت ، ولا أحتاج لذكاء كبير كي أعرف أن مرسليها من الشيعة.. ودارت الأيام ثم بدأت سلسلة خطابات تتهم الوهابيين بكل شيء ممكن ..

مما سبق - بلدهم يا عمّ

كانت قناة الجزيرة تعرض على الهواء أحداثًا غريبة في ذلك اليوم: وزير خارجية مصر (أحمد ماهر) يزور الحرم القدسي .. منذ لحظة دخوله الحرم راح أحدهم – حماسي الهيئة واللهجة – يهتف في مكبر الصوت:
ـ"لا أهلاً بك ولا سهلاً... عد إلى أسيادك الصهاينة ولا تدنس هذا الحرم"

وبدأت الأحداث تتخذ منحى خطيرًا عندما تزاحم الغاضبون حول الوزير المسن، فصنع حراسه طوقًا حوله بأجسادهم ورأيت على وجهه أمارات الاختناق من فرط الانفعال ونقص الأكسجين، مع قلب ليس في أفضل حال .. كان يشخص بعينيه إلى السماء فاغر الفم متلاحق الأنفاس بينما يحاول الحراس حمل جسده الضخم خارج الحرم ..

كان المشهد مؤسفًا أليمًا .. هذا الذي تتصاعد الهتافات ضده ليس (شارون)، بل هو وزير خارجية أهم وأكبر دولة عربية .. الدولة التي ضحت بالكثير بسبب تحالفها مع الفلسطينيين .. دعك من البعد الإنساني لرؤية عجوز يوشك على الموت اختناقًا ..

مر المشهد بسلام، وتم نقل الوزير إلى مستشفى إسرائيلي حيث قيل إن الوضع مطمئن .. لكن هذا لم يكن أسوأ ما في الأمر .. ما أثار رعبي وضيقي هو أنني كنت أشاهد هذا الأحداث بلا أدنى انفعال على الإطلاق .. لم أشعر بذرة تعاطف معه ولم تدمع عيني بسبب الإهانة التي وجهت لمصر على شاشات الفضائيات بلا داع .. كان مشهدًا غريبًا وكفى ..

Wednesday, October 27, 2010

مما سبق - المدونات والدستور ومرض (توريت) ..! ـ

نشرت تلك المقالة من قبل تحن عنوان "مرض (توريت) من جديد" 13 أبريل 2010 في جريدة الدستور
http://ahmed-khaled-tawfik.blogspot.com/2010/04/blog-post_13.html

و لكن وجدتها بنص أكبر .. لذلك نعيد نشرها بذلك النص

===================================

في العام 1884 وصف الطبيب الفرنسي (جيل دولا توريت) تسعة من المرضى يعانون مرضًا وراثيًا غريبًا يتكون من لازمة قهرية من التقلصات العضلية والسباب البذيء جدًا .. وقد وصف هذا المرض لدى الماركيزة (دي دامبريير) العجوز الوقور التي كانت تأتي بحركات غريبة بعضها قبيح جدًا، مع كثير من السباب، وقد بدأ المرض عندها منذ سن السابعة .. هذا هو مرض (توريت Tourette) الذي يعرفه الأطباء النفسيون جيدًا، والذي يعتقدون أنه منتشر اليوم أكثر مما نحسب.. 

هناك شواهد تاريخية سابقة على وصف المرض ومنها رجل من النبلاء الفرنسيين – نسيت اسمه – كانوا يقيدون يديه خلف ظهره كي لا يقوم بحركات بذيئة بإصبعه في حضرة لويس الرابع عشر !

تاريخ للكبار فقط

بص و طل - 26 أكتوبر 2010


إعجابي بالدكتور يوسف زيدان لا يخفى على أحد.. من العسير في هذا الزمن أن تجد من يدقّق بهذا الشكل، ويلاحق كل معلومة في خبايا التاريخ، مبرهنًا في كل مرة على أنه خبير مخطوطات من الطراز الأول.. إنه عملاق بكل تأكيد، ولا أعتقد أن كثيرين يرغبون في تفنيد هذه النقطة.

في عدد 22 سبتمبر من جريدة "المصري اليوم" يواصل سلسلته (أوهام المصريين) التي انتوى أن تكون سباعية من الحلقات، ويحمل المقال اسم (الناصر أحمد مظهر). مقال بديع كالعادة وينطق بموسوعية الرجل، ولكن المشكلة هي أنه يتناول تاريخ صلاح الدين الأيوبي كما ظهر في الفيلم الشهير الذي قام ببطولته أحمد مظهر، وهي نقطة نختلف معها منذ البداية.. من يأخذ التاريخ من الأفلام السينمائية فتلك مشكلته، ويكفي أن الدقة التاريخية معدومة تمامًا في أفلام ضخمة مثل (القلب الشجاع) و(طروادة)، كما أن كل ما ورد في فيلم (الشيماء) تقريبًا من خيال المؤلف.


مما سبق - الأمير فوق من ذكرت

لست أذكر المناسبة بالضبط، لأنني كنت مراهقًا في المدرسة الثانوية أجلس أمام جهاز التلفزيون، أتابع ما أذكر أنه حفل تكريم أو عيد للعلم .. شيء من هذا القبيل .. على المنصة يجلس الرئيس الراحل (أنور السادات)، واللحظة هي تكريم أحد أستاذته السابقين في المدرسة.. كان الرئيس الراحل يحب هذه المواقف لما فيها من مسحة درامية .. (هل تذكر الحطاب الفقير الذي آويته في دارك وأطعمته في تلك الليلة ؟.. لقد كان هو الخليفة متنكرًا ! .. وقد خلع عليك قصرًا وزكيبة من الذهب).. وقد سبق هذا تكريم مماثل لمن يدعى (سائق دمرو) الذي ساعد السادات في ظروف مماثلة..

المهم أن الأستاذ المسن الذي تصلبت شرايين مخه، والذي عاش عصور النفاق منذ أيام مولانا ولي النعم، اعتلى المنبر فقال بالحرف الواحد: "الله يقول: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب .. أما نحن فنقول: إن في خلق السادات والأرض .. كذا .."

أقسم بالله أن هذا قيل حرفيًا، وسوف أُسأل عنه يوم القيامة .. لقد أصابني الهلع من هذه الدرجة العبقرية المفزعة التي يمكن أن يبلغها النفاق .. والأغرب هو أن أحدًا لم يعترض، والرئيس المؤمن نفسه لم يهب لتصحيح كلمات الرجل ..

Tuesday, October 26, 2010

مما سبق - هوامش عن الحرب السادسة

-1- 
في اليوم التالي مباشرة لسقوط بغداد، وجدت عند بائع الصحف جريدة أسبوعية تتصدر صفحتها الأولى صورة عملاقة لوزير الإعلام العراقي (الصحاف)، وقد كتب تحتها: "الصحاف: رمز الصدق الإعلامي".. هذه الجريدة لم تعرف بما حدث أمس ولم تجد الوقت لتبدل عناوينها، ففي الأسابيع التالية تحول الصحاف إلى رمز الكذب والجعجعة الخطابية الفارغة وانضم اسمه إلى اسم (أحمد سعيد) في مصر، وصار فقرة للإضحاك في الكوميديات الفضائية .. والكاريكاتور المرفق رسمه الفنان الشاب شريف عرفة تعبيرًا عن الرأي العام السائد وقتها.

Monday, October 25, 2010

مما سبق - فما أنت يا مصر دار المضارب

عندما حدث انهيار البورصة في مصر وعدد من الدول العربية، رأينا ذلك المصري المسكين الذي يظهر دائمًا في النشرات .. يصرخ وقد مزق أزرار قميصه ليقف عاري الجذع ، وهو أداء مصري كلاسيكي للتعبير عن الجزع والإفلاس وإنه لا يبالي بشيء بعد الآن .. وذلك الذي سقط على الأرض والناس يرشون الماء على وجهه .. نفس الرجل – بعينه – رأيته يصرخ أمام شركة توظيف الأموال المغلقة، ورأيته يصرخ أمام مسرح بني سويف، ورأيته يصرخ بعد زلزال أكتوبر المشئوم، ورأيته يصرخ وهو ينتظر جثة قريبه الغارق مع العبارة أو المحترق في قطار الصعيد .. إنه المصري الأبدي الذي خدعوه وباعوا دمه وكليته وأطعموه الفراخ الفاسدة والزيتون بالورنيش .. المصري الذي جعلوه يعبد آمون ثم استبدلوا به آتون ثم أعادوا آمون ثم أقنعوه أن بونابرت مسلم صادق الإيمان ..
لكني – في هذه المرة بالذات – لم أكن قادرًا على التعاطف معه، بينما بكيت معه في مواقف أخرى. أنت دخلت سوقًا خطرة غير مستقرة يا صاحبي، وقد أغرتك المكاسب الفاحشة التي جناها الناس في أول فبراير بلا أدنى جهد ..سمعت قصة السيدة التي ربحت مليونًا في يومين.. لقد قامرت وعليك أن تتحمل نتائج المقامرة، فلا تحاول إقناعي أنك من ضحايا العبارة أو قطار الصعيد من فضلك .. 

ربما تلاعبت بك الحكومة من أجل بعض الحيتان الكبار .. وما الجديد في هذا ؟.. هل هناك استقرار حقيقي في مصر يسمح بالمخاطرة ؟ 

Sunday, October 24, 2010

مما سبق - المطففون

كنت أموت من الظمأ في ذلك اليوم الحار، ولما كنت بطبعي غير مولع بالمياه الغازية، فقد اتجهت إلى محل لعصير القصب .. حبي الأول الذي أشعر بدهشة لكونه لم يغز العالم بعد، هناك صب لي البائع كوبًا كبيرًا حملته متلمظًا إلى شفتي، لأجد أنه عديم الرائحة والطعم.. فقط له لون كريه يذكرك بحساء القلقاس... 

أصابتني الحيرة .. كم يبلغ هامش الربح في كوب من عصير القصب ؟.. بالتأكيد هو لا يقل عن 80% .. وبالتالي حصل البائع على أربعين من الخمسين قرشًا التي هي ثمن الكوب، فماذا يريد ؟.. ولماذا يجب أن يغش العصير بخلطه بالماء البارد ؟.. لماذا لا يقدم لي سلعة جيدة ويكتفي بأربعين قرشًا بدلاً من ثمانية وأربعين ؟

قلت للرجل غاضبًا إنني لن أتعامل معه مرة أخرى، فهز رأسه في مزيج من الاعتذار الساخر واللامبالاة .. ماذا يخسره لو فقد زبونًا وماذا يكسبه إذا احتفظ به ؟

المهم بالنسبة له أنه أخذ مني هذه المرة وانتهى الأمر، ومحدش حينام جعان .. غدًا يأتي سواي .. هكذا تحول الإيمان بالرزق إلى مبرر للخداع بلا توقف... 

الحقيقة أن فلسفة هذا الموقف تنطبق على كل شيء في حياتنا بدءًا بكوب عصير قصب وانتهاء بسيارة فاخرة أو فيلا في الساحل الشمالي 
***

Saturday, October 23, 2010

تعليمات دقيقة



اعتدت أن أندهش جدًا من الناس الذين يبتاعون جهازًا جديدًا، فيتكاسلون عن مطالعة الكتيب المرفق معه. هذا الكتيب يحوي دائمًا معلومات مهمة جدًا أو إمكانات للجهاز لم تخطر ببالك. عندما تستعمل هذه الإمكانات يبدي الناس انبهارًا بعبقريتك، برغم أن الأمر لم يكن ليكلفهم أكثر من نصف دقيقة يطالعون فيه الكتيب مثلك. لكن الدرس الذي تعلمته بعد كل هذه السنين هو أن الناس مهما بلغت درجة ثقافتهم وتعليمهم يحملون هم القراءة.. يرى الرجل الكتيب جاثمًا ينتظره ككابوس فيفرك عينيه في إرهاق، ويناوله لأي واحد جواره قائلًا:
«هلا قرأت هذا لي؟ نسيت نظارتي / وقتي لا يسمح.. الخ»

أقول إن قراءة التعليمات كانت دأبي وهوايتي، إلى أن جاء هذا العصر السعيد الذي صار فيه كل شيء صينيًا.

Friday, October 22, 2010

مما سبق - صدام لم يقبض

لا شيء يثير غيظي مثل مداخلات المشاهدين على الهواء؛ تلك التي تلوث برامج الفضائيات خاصة الإخبارية منها.. عندما يكون ضيف الحلقة في وزن حسن نصر الله أو فهمي هويدي أو سيد القمني أو المدير السابق للمخابرات المركزية في الشرق الأوسط، تكتشف أن هناك شخصًا في مكان ما يملك الشجاعة العبقرية الكافية ليرفع سماعة الهاتف ويعطل تدفق المعلومات المهم لمدة خمس دقائق، فقط كي يعبر عن آرائه في الحياة .. وهو أصلاً لا يملك أية موهبة إلا امتلاكه لخط دولي .. لكنه يتكلم بلهجة المرشد الذي يهدي هذه الخراف الضالة إلى الصواب: "أنا عجبني الأستاذ فهمي لما قال كيت وكيت وما عجبني لما قال كذا وكذا.."... إنها كلمة الحجا أخيرًا بعد ما كثر الدهماء .. وتشعر طيلة الوقت أنه من الذين يهوون سماع صوتهم وربما العبث في أصابع أقدامهم كذلك.. 

Thursday, October 21, 2010

مما سبق - أعرف جيدا

أعرف‏ ‏جيدا‏ ‏أنه‏ ‏أشعل‏ ‏لفافة‏ ‏تبغ‏ ‏وراح‏ ‏ينظر‏ ‏لليل‏ ‏الصامت‏ ‏خارج‏ ‏الشرفة‏..‏
أعرف‏ ‏أن‏ ‏ملايين‏ ‏الخواطر‏ ‏تزاحمت‏ ‏في‏ ‏ذهنه‏ ‏وهو‏ ‏يتأمل‏ ‏لفافة‏ ‏التبغ‏.. ‏الطرف‏ ‏الذي‏ ‏يتوهج‏ ‏ثم‏ ‏يخبو‏.. ‏يتوهج‏ ‏ثم‏ ‏يخبو‏.. ‏هذا‏ ‏تأثير‏ ‏قريب‏ ‏من‏ ‏التنويم‏ ‏المغناطيسي‏..‏
علي‏ ‏الأرجح‏ ‏عاد‏ إلى الغرفة‏ ‏هنا‏.. ‏أعرف‏ ‏أنه‏ ‏جلس‏ إلى مكتبه‏ ‏وفتح‏ ‏الدرج‏.. ‏بحث‏ ‏في‏ ‏مجموعة‏ ‏الأوراق‏ ‏حتي‏ ‏وجد‏ ‏واحدة‏ ‏لم‏ ‏يخط‏ ‏عليها‏..‏أعرف‏ ‏أنه‏ ‏بحث‏ ‏بين‏ ‏الأقلام‏ ‏عن‏ ‏واحد‏ ‏يصلح‏.. ‏هذا‏ ‏جف‏ ‏حبره‏. ‏هذا‏ ‏تقيأ‏ ‏حبره‏.. ‏هذا‏ ‏مكسور‏.. ‏أخيرا‏ ‏وجد‏ ‏واحدا‏ ‏وخط‏ ‏علي‏ ‏الورقة‏ ‏أول‏ ‏خط‏..‏
لابد‏ ‏أنه‏ ‏توقف‏ ‏هنا‏.. ‏لابد‏ ‏أنه‏ ‏نظر‏ ‏للشرفة‏.. ‏وجد‏ ‏أنه‏ ‏من‏ ‏السخف‏ ‏أن‏ ‏يكتب‏ ‏كل‏ ‏شيء‏, ‏والرسالة‏ ‏المعتادة‏ ‏بدت‏ ‏له‏ ‏سخيفة‏ ‏مبتذلة‏..‏
لهذا‏ ‏كوّم‏ ‏الورقة‏ ‏وألقاها‏ ‏علي‏ ‏الأرض‏..‏
أعرف‏ ‏أنه‏ ‏أخرج‏ ‏ألبوم‏ ‏الصور‏ ‏وراح‏ ‏يقلب‏ ‏الصفحات‏.. ‏صورته‏ ‏وهو‏ ‏طفل‏ ‏سعيد‏ ‏غافل‏, ‏كل‏ ‏مشكلته‏ ‏في‏ ‏الحياة‏ ‏أن‏ ‏أباه‏ ‏لم‏ ‏يبتع‏ ‏له‏ ‏الآيس‏ ‏كريم‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏يتوق‏ ‏له‏. ‏صورته‏ ‏في‏ ‏سن‏ ‏المراهقة‏ ‏مع‏ ‏أصدقائه‏ ‏إلى‏ ‏جوار‏ ‏سور‏ ‏المدرسة‏.. ‏صورته‏ ‏وهو‏ ‏شاب‏ ‏في‏ ‏الجامعة‏.. ‏صورته‏ ‏مع ‏هالة‏.. ‏صورته‏ ‏معي‏ ‏وهو‏ ‏يناقش‏ ‏رسالة‏ ‏الماجستير‏ ‏عن‏ ‏إرهاصات‏ ‏الواقعية‏ ‏في‏ ‏المدرسة‏ ‏الرومانسية‏..‏
أعرف‏ ‏أنه‏ ‏أشعل‏ ‏لفافة‏ ‏تبغ‏ ‏أخرى‏.. ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏وقت‏ ‏كاف‏ ‏للإصابة‏ ‏بسرطان‏ ‏الرئة‏. ‏لابد‏ ‏أنه‏ ‏راح‏ ‏يتأمل‏ ‏حلقات‏ ‏الدخان‏ ‏المتصاعدة‏.. ‏لابد‏ ‏أنه‏ ‏تذكر‏ ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يستطع‏ ‏قط‏ ‏إخراج‏ ‏حلقات‏ ‏دخان‏ ‏من‏ ‏فمه‏ ‏مهما‏ ‏حاول‏.. ‏لابد‏ ‏أنه‏ ‏ابتسم‏ ‏للفكرة‏..‏
أعرف‏ ‏أنه‏ ‏أنهى‏ ‏اللفافة‏ ‏فدفنها‏ ‏في‏ ‏قدح‏ ‏القهوة‏.. ‏ما‏ ‏تبقى‏ ‏منها‏..‏
أعرف‏ ‏أنه‏ ‏فتح‏ ‏الدرج‏ ‏من‏ ‏جديد‏ ‏وأخرج‏ ‏المسدس‏, ‏وتحسسه‏ ‏بأنامله‏. ‏منظر‏ ‏الرجل‏ ‏الجالس‏ الى المكتب‏ ‏ومسدس‏ ‏في‏ ‏يده‏ ‏يذكره‏ ‏بصورة‏ ‏مدير‏ ‏المصرف‏ ‏الذي‏ ‏أفلس‏ ‏بسبب‏ ‏الاختلاس‏ ‏أو‏ ‏المقامر‏ ‏الذي‏ ‏خسر‏ ‏كل‏ ‏شيء‏, ‏كما‏ ‏نراهما‏ ‏في‏ ‏القصص‏ ‏الغربية‏.. ‏لابد‏ ‏أنه‏ ‏ابتسم‏ ‏للفكرة‏ ‏مرة‏ ‏أخرى‏..‏
أعرف‏ ‏يقينا‏ ‏أنه‏ ‏ألصق‏ ‏الفوهة‏ ‏بصدغه‏ ‏وأنه‏ ‏شعر‏ ‏بالمعدن‏ ‏البارد‏ ‏القاسي‏ ‏هناك‏ ‏يضغط‏ ‏علي‏ ‏شريانه‏.. ‏أعرف‏ ‏أنه‏ ‏تحسس‏ ‏الزناد‏.. ‏أنه‏ ‏أغمض‏ ‏عينه‏.. ‏أنه‏ ‏ضغط‏ ‏الزناد‏ ‏القاسي‏..‏
*******

Wednesday, October 20, 2010

مما سبق - عن العلم و شبه العلم

فكرت كثيرا و طالبني الكثير  بعرض مقاﻻت و قصص د أحمد السابقة التي تم نشرها من قبل.. و لكن لم يسعفني الوقت لذلك من قبل.. لكن أيقنت أن الوقت لن يسعفني أبدا.. فقررت أن أنشرها واحدة تلو اﻷخرى قدر ما أستطيع.. مع استمرار عرض المقاﻻت و القصص الأخيرة حال نشرها

--------------------------------------------------------

كتاب أنيق هو يحمل ذات الطابع (ابن الناس) الموحي بالثقة لدار المعارف، تلك التي بدأنا القراءة مع سلسلتها (كل شيء عن)... سلسلة علمية صدرت في الزمن الجميل كتبها عالم أمريكي محترم وترجمها عالم مصري محترم، والتي لم أندهش عندما وجدت أن عدد طبعات أجزاء منها تجاوز التسع, ثم كبرنا فعرفنا سلسلة (اقرأ) التي قدمت لنا المعلومة والأدب الراقي. لهذا كان لي الحق كل الحق أن أتحمس لشراء هذا الكتاب الذي يحمل اسم (أسرار الوحوش الخفية والإنسان العملاق - 1999) للدكتور (علي علي السكري) وهو من المهتمين بمفهوم العلم من الناحية الإسلامية كما تدل على ذلك مؤلفاته السابقة

ـ عن "الحلّوف" الذي لم يَرفُق بـ"القوارير" ـ


ولكن لماذا ينفعل المرء على فتاة رقيقة نحيلة ويصفعها ويركلها؟ "سمية" طالبة الدراسات الإسلامية في الزقازيق تُضرب بوحشية على أيدي وأرجل الحرس الجامعي!

أين أنت يا أستاذ "عباس"، يا من كنت تمشي في المدرسة الثانوية حاملاً رِجل كرسي غليظة، وكنت تهوي بها على رءوس الفتيان عندما يثيرون حفيظتك؟ وفي يوم رائق قلت لنا إنك كنت تعمل في مدرسة بنات قبل هذا:
- "لم أتحمل العمل هناك.. الفتاة تكفيها كلمة غليظة أو زغرة كي تتشنج ويُغمى عليها.. الفتيات هشّات رقيقات أكثر مما يجب، والتعامل معهن يحتاج إلى عبقري؛ بينما أنتم مجموعة من الأوغاد ثخيني الجلد.. "ربنا يخليكوا ليّ"!.. طلبت أن أُنقل لهذه المدرسة؛ حيث أتعامل مع الفتيان.. والفتيان فقط.. هكذا أهوي على رأسك بمقعد فلا تصاب حتى بصداع، ولا تشعر بأنك أُهنت.. العمل هنا يريحني ويناسبني..".

هكذا تكلّم الأستاذ "عباس"، وقد لاحظت بعد ذلك أن كثيرين من المدرسين جاءوا فارّين من مدارس البنات. كان الناس في ذلك الزمن يحترمون تكوين الأنثى الجسدي والنفسي، ويعرفون أنها لا تتحمل أي نوع من غلظة التعامل.. رفقاً بالقوارير... رفقاً بالقوارير. 

إذن لماذا ينفعل المرء على فتاة نحيلة صغيرة الحجم ويصفعها ويركلها؟

Friday, October 15, 2010

سيارتكم



اتصل بي قريبي الذي يعمل في الخارج، وطلب مني أن أسأل له عن السيارة (كوكي) التي رأى إعلانها في الصحف، وهو راغب في شرائها بمجرد العودة إلى الوطن.. يسألني عن مواصفاتها وهل هي أوتوماتيكية أم يدوية، وما إذا كانت سعة الموتور 1500 سم مكعب أم 1300. ونظم التقسيط الخاصة بها.. إلخ. توقعت أن يسألني عن الأشخاص الذين سيركبونها، وتاريخ الحادث الذي يمكن أن يقع لها، لكنه لم يفعل.

رفعت سماعة الهاتف وطلبت الرقم الموضح في الإعلان فجاء صوت رشيق لفتاة:
«النصاب للسيارات.. تحت أمرك».

Friday, October 8, 2010

كفى



هذا مسكين من مساكين الإنترنت الذين فاض بهم، فأرسل للجميع هذه الرسالة التي وصلتني هذا الأسبوع.. إنها صرخة أليمة قاسية تقول: كفى! تعال نرى معًا ما يعذبه:

Thursday, October 7, 2010

بين حادث 4 فبراير وحادث 5 أكتوبر


لا أرى الأمور قد بلغت هذه الدرجة بالطبع، لكنها كلمات صديق لي قال بمجرد أن سمع خبر إقالة عيسى: "هذا هو الانتحار الثاني للوفد.. الانتحار الأول كان بعد حادث 4 فبراير عام 1942 عندما حاصرت الدبابات البريطانية القصر لتصل بالوفد إلى سدة الحكم،  أما الانتحار الثاني فهو الآن في 2010 حينما تحالف مع النظام في مؤامرة تكلفت عشرين أو ثلاثين مليوناً من الجنيهات لعزل كاتب سياسي معارض، وبهذا أعلن الوفد صراحة أنه أحد مكاتب الحزب الوطني".

بالفعل لا أعتقد أن الأمور بلغت هذه الحد، وفي الكلام الكثير من المبالغة التي تقارن حادث 4 فبراير بإقالة عيسى، لكن تبقى حقيقة لا مهرب منها؛ هي أن الدكتور السيد البدوي كان له دور رئيس في إسكات كاتب معارض مهم. ومتى ؟.. في فترة شديدة الحرج تحتاج إلى كل لسان شريف. والرجل -د. السيد- قد استقال بعد إنهاء مهمته على كل حال، على طريقة (قل كلمتك ثم انصرف).

Monday, October 4, 2010

كائنات مهددة بالانقراض


الحياة تزداد تعقيدًا بلا شك.. في بعض النقاط صارت أسهل بكثير؛ فقد كان من المستحيل في السبعينات أن تتخيل -حتى لو كنت "جول فيرن" نفسه- أن تحمل هاتفك الخاص في جيبك وتطلب به أي شخص في بلدك أو حتى في ألاسكا. كان الاتصال بالقاهرة أو الأسكندرية أو شبين الكوم يعني أن تذهب للسنترال في ساعة مبكرة من اليوم، وتمضي أربع ساعات تنتظر في توتر؛ بينما الصوت الهادر الحكومي يدوي من آن لآخر عبر مكبر الصوت
ـ"4543 مصر.. كابينة 8"ـ

فترى أحد الجالسين يهرع كالملسوع نحو كابينة 8 ويغلقها عليه ويبدأ في الصياح؛ بينما كل الجالسين يسمعون تفاصيل ما يقال.. عشر ثوان ثم تنقطع المكالمة فيخرج خائب الأمل ليجلس بانتظار محاولة ثانية.. باختصار كان الاتصال بالقاهرة، يعني أن تأخذ يوم إجازة من العمل، وأن تمضي خمس أو ست ساعات في مكان واحد

Friday, October 1, 2010

أنت فضولي



عرفت في سن العاشرة أنني فضولي جدًا، ولدرجة تقترب كثيرًا من الوقاحة.. كنت أدخل على أبي وأمي يتكلمان، فلا يقطعان المحادثة، لكني أسمع كلمات مثل: «هذا المرض العضال – الطبيب يائس – إنها النهاية» أو كلمات مثل «بيع البيت – ورطة مادية – إفلاس».. فأتوقف وأسأل في توتر:
«هل هناك مشكلة؟»

فيقول أبي في أسف وحزن لسوء تربيتي:
«أنت فضولي جدًا.. ما دمت لست طرفًا في المحادثة فلا تتدخل»

أشعر أن الدم يتدفق من أذني خجلًا، وأبتعد بينما المزيد من العبارات يخرق مسمعي «اللص الذي تسلل للبيت – لا تخبري الأطفال – سوف ينتقم»