قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Sunday, October 31, 2010

مما سبق - برعم الوردة

pixabay

يموت رجل الأعمال الملياردير وآخر كلمة يلفظها هي : (روزباد) أي برعم الوردة ... ترسل الصحف الأمريكية مندوبيها في تحقيق مرهق طويل لمعرفة كنه هذا الـ (روزباد).. يتحركون في كل اتجاه .. ما الذي مات الملياردير وهو يتمناه ؟ .. هو الذي أنشأ جنة صناعية كاملة اسمها (زانادو) فيها كل ما يشتهي .. في نهاية الفيلم نكتشف أن (روزباد) هي الزحافة التي كان يلعب بها في طفولته والتي اضطرت أمه لبيعها .. هكذا كبر الملياردير وامتلك أمريكا ذاتها لكنه ظل يتحرق شوقًا في عقله الباطن للعب بتلك الزحافة الصغيرة !... هذه هي القصة المؤثرة لفيلم (المواطن كين) تحفة (أورسون ويلز)، والذي يحكي قصة حياة ملك الصحافة الأمريكي (راندولف هيرست... )ـ

عندنا في العامية المصرية نقول: "اللي ما شبعش على طبلية أبوه عمره ما يشبع".. وهو يفسر حالة الجوع النهم لدى كل هؤلاء المليارديرات الذين يملأون المجتمع المصري اليوم ولا يشبعون من النهب أبدًا .. السبب ببساطة أنهم لم يشبعوا في طفولتهم 
ينطبق الكلام على المال 
ينطبق على الحنان 
ينطبق على الحب 
***

كان يحبها بحق .. تلك الرائحة الوليدة للعواطف القادمة لتوها من المصنع بعد فك السيلوفان .. هذه أول مرة تستعمل فيها قلبك .. هل يعمل جيدًا ؟.. تذكر أننا ما زلنا في فترة الضمان .. رائحة المطر في الهواء والسكاشن التي تنتهي قبل الغروب .. والشعور الأليم بأنها ستنفد 

السمراء المرهفة الرقيقة ذات عيني الغزال .. كان يملك تلك القدرة السحرية على رؤية الجمال في صديقة البطلة .. الحمقى ينظرون بإعجاب للبطلة، ويفوتهم أن يروا ويفهموا الكنوز التي لدى صديقتها الخجول الصموت .. عندما تقترب أنت وتنحني أمام العرافة المقدسة وتخبرها كم هي رائعة . كم هي أسطورية .. عندها تستحق وحدك أنهار اللبن والعسل التي ادخرتها لأول من يلاحظ ذلك .. أول من يدرك أنها أروع من صديقتها المفتعلة الملطخة بالأصباغ 

ويقول رفاقي: لن تفلح
ويقول رفاقي: هل تنجح ؟
أن ترقى درجات المذبح
وتبث الكاهنة العظمى
ترنيمة شجوى لا تبرح ؟

كان يحبها في صمت ثلاثة أعوام، وفي حفل أسرة الكلية بمناسبة نهاية العام طلبوا منه أن يلقي قصيدة .. مال على الفتى الذي يعزف الأرغن الكهربي وطلب منه أن يتابع القصيدة بلحن (أرانجويه).. سأله في غيظ: انت عاوز تقول قصيدة و لا تغني ؟
لن يفهم 
وقف وبصوت مرتجف وعلى خلفية اللحن الرهيب، خرج الصوت متسربًا لأوتار قلوب الجالسين .. لو كان صوتًا واثقًا أو أكثر ثباتًا قليلاً لما أحدث هذا التأثير .. كان صادقًا وقد تلقى الجميع الإشارة بذلك .. كانت روحه هي التي تتكلم 

ومهما كنت أو صرت .. أحبك مثلما أنت
فلا تتغيري أبدًا .. وكوني دائمًا أنت
..........................................
بعيدًا أنت تنسابين والأنظار تفترسك
وداعًا طفلتي السمراء حقًا سوف أفتقدك 

بعد الحفل تدنو منه لتقول له في لطف: كنت رائعًا .. يتراجع للخلف ويضرب الجدار بظهره شاعرًا بأنه يذوب في الأبدية .. وفي سره يهمس
جاءت لتهمس : قد أجدت 
فيا ملاكي رفرفي 
لو أنها كانت تعي 
أني احترقت كما الذبابة في لهيب تلهفي 

يقول لها وهو يوشك على الإغماء
ـ"القصيدة دي كانت لك !"ـ
تقول وهي تنظر في عينيه
ـ"ما انا عارفة!"ـ
ألهذا يطلق الفرنسيون على الحب اسم (الميتة الصغرى) ؟.. أنت تموت فعلاً

تبدأ أيام الحلم 
أطفال تغمرنا النشوة
نتبادل ألفاظًا خجلى 
ألتذ براءة ضحكتها
أجتر عبير سذاجتها
وتجاهد كي تبدو أنثى
وأكافح كي أبدو رجلا 
...............
إني أهواها .. تهواني 
يكفيها هذا .. يكفيني 

ككل قصة حب أخرى لابد أن تفنى .. تفنى بالفراق أو الزواج .. المهم أنها تفنى .. كان هو الذي أدرك أن الحب جميل لكن تبعاته مستحيلة قاسية .. حسابه في المصرف بضعة جنيهات .. إنه طالب لم ينه دراسته بعد .. والده مدير شركة كبرى لكنه مدير شركة لم يختلس قط، لذا كان حسابه في المصرف أسوأ من حساب صاحبنا .. لماذا أطلب منك الانتظار من أجل حلم قد لا يكون أبدًا ؟.. صديقاتك يظفرن بالزيجات الثرية .. صديقاتك ينلن كل شيء .. فرسان الأحلام يحلقون في السماء من حولكن .. أنتن كبيرات ناضجات أما نحن فبعد أطفال نتلقى المصروف من آبائنا، ونتشاجر على لفافة تبغ وجدناها في درج أحدنا .. طيري مع صديقاتك .. طيري .. اتركيني هنا في الوحل .. ولا تعودي أبدًا 

تبكي .. تدفن عينيها الجميلتين في منديلها فيصرخ فيها: طيري !!... طيري 

اليوم يعرف كم كان حكيمًا في قراره هذا عندما لم يستطع أن يتزوج إلا بعد سن الثلاثين 

من دونك لن أزعم أبدًا أني أتنفس من دونك 
من دونك أهذي .. أتثاءب .. أكتب أوراقًا .. أتعثر 
ولبضع ثوان أتمادى 
ولبضع قرون أتقهقر 
أحيانًا أضحك .. أتناسى
أهمس ألفاظًا وسنانة 
وأخط عبارات الشكوى من فوق جدار الزنزانة 

يمر أمام بيتها في شارع النحاس كما فعل ألف مرة من قبل .. هذه المرة يرى بوضوح باقة الأزهار في شرفتها بالطابق الخامس ... رسالة صامتة بليغة

وكانت باقة الازهار تنظر لي من الشرفة 
لقد كانت تواسيني 
تفتش في قفار العطف عن لفظ يعزيني 
ورغم ضراوة الأشواك قد أحسست بالألفة 
لقد كانت تصارحني بما قد كان في أمسي 
ولم تجهل حكايا الوهم .. والآهات واللهفة 
***

لماذا يتذكر هذا الآن ؟.. منذ ذلك الحين كف عن كتابة الشعر .. اكتسب هذا الاكتئاب الساخر مع تلك اللمسة المتعبة التي يعرفها كل من قابله .. إنه يتذكر .. كان هناك حب حقيقي حريف في حياته وقد اكتملت عناصره، لكنه ضاع للأبد ... ربما يشعر بدنو النهاية .. ربما يهمس وهو يرى عباءة الموت تظلل عينيه: برعم الوردة .. روزباد ... عندها لا تتساءلوا كثيرًا يا سادة 

مهما حقق صاحبنا من نجاح أو انتصار .. مهما شاب شعره ... مهما اكتسب من حكمة .. فهو لم يتذوق الوجبة الوحيدة التي اشتهاها حقًا