قلت في ضيق وأنا أرتجف:
ـ "لا تحاول إقناعي أن ما حدث كان دعابة سخيفة".
ابتسم.. كان من الطراز الثقيل جدًا الذي لا يهتزّ لشيء.. الصراع العقلي معه ليس هينًا. قال في لهجة آسفة باطنها المزاح:
ـ "هذه هي الحقيقة.. لو كنا نعرف أنكم قادمون لقتلنا أحدًا!"
في هذه اللحظة كان آخرون قد جاءوا من الداخل..
هناك شابان في سنّ المراهقة امتلأ وجهاهما بالنمش، وكانا يلبسان منامتين صوفيتين ثقيلتين.. بعد هذا ظهر طفل مذعور في نحو السابعة.. النوم واضح تمامًا في انتفاخ العيون واحمرار الآذان والغربال الذي رسم معالمه على بعض الخدود....
ـ "ماذا حدث يا بابا؟"
نعم. هم إذن يستعملون لفظة "بابا".. قال الليثي في ثبات:
ـ "لا شيء.. عُدْ واكمل نومك.."
ومن موضع بالداخل رأيت شبح امرأتين.. يبدو أن هناك واحدة شابة وواحدة أكبر سنًا.. كانت كل منهما تلفّ ما يشبه "الطرحة" على رأسها على سبيل اتّقاء البرد والحشمة..
ـ "محمود.. هل من شيء؟ لماذا الشرطة هنا؟"
كان الصوت يدل على أنها في الأربعين وجميلة غالبًا.. لما لاحظ أننا ننصت صاح في حزم دون أن يلتفت للخلف:
ـ "ادخلي أنت وابنتك! ما شأنك بهذا؟"
انتظرت حتى توارت الأنثيان، وقلت وأنا أشير لحذائه:
ـ "هل تريد القول إن هذا الدم صدفة؟"
نظر للجلباب ثم قال باستخفاف:
ـ "وما في ذلك؟ إنني أذبح كل يوم.. نحن عدم المؤاخذة فلاحون".
ـ "في هذه الساعة؟ ووسط هذه العاصفة؟"
ـ "هل يوجد ما يمنع يا باشا؟ لا بد للنسوة من إعداد الخروف الذي سنطهوه غدًا".
ساد الصمت ونظرت لبسيوني ونظر لي.. لا يوجد ما نعمله بعد هذا..
- "هل أنت متأكد من أنه لا يوجد هنا شخص آخر؟ خادم أو خادمة؟ شخص يرقد كجثة الآن؟"
قال الليثي ضاحكًا:
ـ "لا شيء من هذا.. كل الموجودين في هذه البناية يقفون أمامك، أما عن المستأجرين في الخارج فلا أعرف عنهم شيئًا الآن، ولو ماتوا جميعًا فلن أعرف.."
تبًا.. أنا لا أحب مهنتي.. نظرت لساعتي ثم تأهّبت للخروج مما أضحك الجميع.. كأنني أكبر أحمق قابلوه في حياتهم، وكنت كذلك فعلاً
ـ "هل تمزح يا باشا؟ لقد فاض المصرف.. العزبة كلها صارت بحيرة، ولن تستطيع بلوغ السيارة أصلاً؛ لأنك ستهوي لتغوص في الوحل.. ولو تحرّكت السيارة فسوف تنغرس للأبد.."