قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Thursday, January 27, 2011

محمد وعمرو وآخرون


في  مشهد من فيلم (توتسي) يحاول داستين هوفمان الممثل أن يظفر بأي دور في الفيلم القادم، فيقول له المخرج: "مستر دورسي .. نحن نحتاج لشخص أطول". يشب على قدميه صائحًا: "يمكنني أن أكون أطول".  يقول له المخرج: "نحتاج لشخص مختلف". يتمايل هوفمان ويتراقص مؤكدًا: "يمكن أن أكون مختلفًا".  هنا يقول المخرج في حزم وقد نفد صبره: "مستر دورسي .. نحن نحتاج لشخص آخر !!".

تذكرت هذا المشهد وأنا أرى صور المظاهرات التي تملأ القنوات الفضائية. هذه المرة الجماهير لا تريد إصلاحات ولا شخصًا مختلفًا.. تريد شخصًا آخر.


عرفت أن الأديب والإنسان الرائع (محمد عبد القدوس) قد تم اعتقاله، لكني لم أر هذه الصورة إلا عندما أرسلها صديق لي. والسؤال هو: ما الخطر الأمني الداهم الذي يشكله هذا الكهل الوقور الباسم؟.. ما الذي يدعو رجال الشرطة لتكبيله بخمسة مخبرين تقف الصقور على شواربهم ؟.. هل هو خبير كاراتيه مرعب ؟ أم هم يحاولون منعه من تفجير نفسه، أو استعمال بندقيته سريعة الطلقات ؟..

Friday, January 21, 2011

عملية الخازوق


لاحظ أحمد فؤاد نجم أنه في كل مصيبة حقيقية تحلّ بمصر يعود سيد درويش للحياة من جديد ويغني، ويقول نجم بطريقته العفوية: "يخرب عقلك يا شيخ سيد.. ده إنت طلعت بلوى مسيّحة واحنا مش عارفين!!".
اليوم بعد ما حدث في تونس يعود العبقري أبو القاسم الشابي للحياة. العبقري الذي مات في الخامسة والعشرين ينشد:
"إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر".

والعالم العربي كله يردد هذه الأبيات. يخرب عقلك يا شابي.. ده إنت طلعت...... إلخ.. إلخ. الأجمل أن كل شعب عربي شعر بأن الشابي ملكه هو.. لقد صودر الشابي لمصلحة الشعوب العربية ومزّقوا جواز سفره. 

أين أنت يا بسام؟ بسام الصديق التونسي من محافظة المونستير، الذي عرفته وتقاسمت المسكن معه في السعودية، ومنه عرفت الكثير جدًا عن المجتمع التونسي. كان شخصًا راقيًا متحضرًا، وإن كان من النوع الصادق ملتهب العواطف المندفع، وأعتقد أن هذه سمة عامة في كل شعوب المغرب العربي.

 حدثني كثيرًا عن "الزين" والقمع السياسي، وعن قيود العبادة الكثيرة؛ بسبب بعبع الثورات الإسلامية الذي يؤرّق النظام، وسلطة الشرطة المخيفة، وكلما حكى لي شيئًا من هذا كان يعود ويرجوني ألا أذكره أبدًا لأي واحد؛ لأنه يشعر أن في هذا إهانة لوطنه. غير أنه كان يحوي نهمًا شديدًا للتدين.. هذا النهم تمّ كبحه بقوة في وطنه، وعندما قمنا بالعمرة معًا كانت عيناه دامعتين كطفل، وبدا أنه لن يغادر الحرم المكي أبدًا، برغم اقتراب موعد رحيل الحافلة. "دعنا نؤدّ بعض ركعات خارقة للعادة! فلنصلّ بارشا!".


كاريكاتير: د.شريف عرفة

Thursday, January 20, 2011

ليلة شتاء - 3



كانت الغرفة لا تزيد على متر في متر اتساعًا، ومشيدة من القرميد الأحمر فلم يعنَ أحد بتغطية جدرانها، كما كانت هناك خراطيم كهرباء وأسياخ حديدية.. المشهد الذي طالعني على ضوء عود الثقاب المتراقص كان جثة على الأرض، ويبدو أن الماء يتسرّب هنا بشدة؛ لأنها كانت وسط بركة. انتهى الثقاب، فأشعلت ثقابًا آخر، وعلى الضوء أدركت أنها جثة رجل.. عدد هائل من الطعنات والضربات لا يمكن عدّها.. نظرة رعب على الوجه.. 

Thursday, January 13, 2011

ليلة شتاء - 2


قلت في ضيق وأنا أرتجف:
ـ "لا تحاول إقناعي أن ما حدث كان دعابة سخيفة".

ابتسم.. كان من الطراز الثقيل جدًا الذي لا يهتزّ لشيء.. الصراع العقلي معه ليس هينًا. قال في لهجة آسفة باطنها المزاح:
ـ "هذه هي الحقيقة.. لو كنا نعرف أنكم قادمون لقتلنا أحدًا!"

في هذه اللحظة كان آخرون قد جاءوا من الداخل..

هناك شابان في سنّ المراهقة امتلأ وجهاهما بالنمش، وكانا يلبسان منامتين صوفيتين ثقيلتين.. بعد هذا ظهر طفل مذعور في نحو السابعة.. النوم واضح تمامًا في انتفاخ العيون واحمرار الآذان والغربال الذي رسم معالمه على بعض الخدود....
ـ "ماذا حدث يا بابا؟"

نعم. هم إذن يستعملون لفظة "بابا".. قال الليثي في ثبات:
ـ "لا شيء.. عُدْ واكمل نومك.."

ومن موضع بالداخل رأيت شبح امرأتين.. يبدو أن هناك واحدة شابة وواحدة أكبر سنًا.. كانت كل منهما تلفّ ما يشبه "الطرحة" على رأسها على سبيل اتّقاء البرد والحشمة..

ـ "محمود.. هل من شيء؟ لماذا الشرطة هنا؟"

كان الصوت يدل على أنها في الأربعين وجميلة غالبًا.. لما لاحظ أننا ننصت صاح في حزم دون أن يلتفت للخلف:
ـ "ادخلي أنت وابنتك! ما شأنك بهذا؟"

انتظرت حتى توارت الأنثيان، وقلت وأنا أشير لحذائه:
ـ "هل تريد القول إن هذا الدم صدفة؟"

نظر للجلباب ثم قال باستخفاف:
ـ "وما في ذلك؟ إنني أذبح كل يوم.. نحن عدم المؤاخذة فلاحون".

ـ "في هذه الساعة؟ ووسط هذه العاصفة؟"

ـ "هل يوجد ما يمنع يا باشا؟ لا بد للنسوة من إعداد الخروف الذي سنطهوه غدًا".

ساد الصمت ونظرت لبسيوني ونظر لي.. لا يوجد ما نعمله بعد هذا..

- "هل أنت متأكد من أنه لا يوجد هنا شخص آخر؟ خادم أو خادمة؟ شخص يرقد كجثة الآن؟"

قال الليثي ضاحكًا:
ـ "لا شيء من هذا.. كل الموجودين في هذه البناية يقفون أمامك، أما عن المستأجرين في الخارج فلا أعرف عنهم شيئًا الآن، ولو ماتوا جميعًا فلن أعرف.."

تبًا.. أنا لا أحب مهنتي.. نظرت لساعتي ثم تأهّبت للخروج مما أضحك الجميع.. كأنني أكبر أحمق قابلوه في حياتهم، وكنت كذلك فعلاً


ـ "هل تمزح يا باشا؟ لقد فاض المصرف.. العزبة كلها صارت بحيرة، ولن تستطيع بلوغ السيارة أصلاً؛ لأنك ستهوي لتغوص في الوحل.. ولو تحرّكت السيارة فسوف تنغرس للأبد.."

Saturday, January 8, 2011

على هوامش الانفجار


ظللت  أنتظر حتى يهدأ الدخان الناجم عن انفجار كنيسة الإسكندرية حتى لا يكتب المرء وهو فريسة الانفعال أو اضطراب الأفكار، لكن من الواضح أنني سأنتظر طويلاً. قمت بتدوين بعض النقاط التي خطرت لي، وأعتقد أنني سأكتبها في مقالات طويلة يومًا ما . 

Friday, January 7, 2011

ليلة شتاء - 1


أنا لا أحب مهنتي.. 

كلما مررت بموقف مشابه، دارت ذات الفكرة في ذهني. أنا لا أحب مهنتي.. قليل من الناس ممن عرفت يحب مهنته، ما لم يشعر بأنها رسالة مقدّسة كما يفعل المدرّس أو الطبيب أحيانًا، أو يجدها مجزية جدًا كما يفعل رجل الأعمال، أو هي فعلاً مهنة ممتعة، مثل ذلك الأخ راي هاري هاوزن الذي كان يصمم الوحوش في أفلام الرعب.. تخيل أنه يصحو من النوم صباحًا ويذهب لعمله ليصمم الوحوش حتى يحين موعد الانصراف!

أنا لا أحب مهنتي، لكني لا أعرف سواها. عندما يستدعونك لموقع الجريمة في الثالثة صباحًا، فإنك تلهث من البرد والتوتر وأنت تتوقع تقريبًا ما ستراه.. بعد كل هذه الأعوام ما زلت لا أتحمل منظر الجثث الممزقة وأمقت رائحة الدم..


اسمي عوني.. في الخامسة والثلاثين من العمر.. لا شك أنك عرفت مهنتي الآن.. أنا ضابط شرطة، وقد رأيت الكثير طبعًا، لكن هذا لا يعني تصريحًا بالبرود أو اللامبالاة..

Sunday, January 2, 2011

إذا .. وبلد العميــــان


إذا استطعت أن تحتفظ بعقلك بينما كل من حولك قد فقدوا عقولهم .. ويلومونك علي ذلك .. إذا استطعت أن تثق بنفسك بينما الناس تشك فيك وبرغم هذا تسمح لهم بأن يشكوا .. إذا استطعت الانتظار فلا تتعب فإذا ما خدعك الآخرون لا تلجأ للكذب ..

إذا كرهك الناس فلم تدع الكراهية تتغلب عليك .. 
وبرغم هذا لا تبدو راضيا عن نفسك أو تتكلم بحكمة أكثر من اللازم .. 
إذا استطعت التعامل مع الجماهير وبرغم هذا تحتفظ بفضائلك .. 
وإذا مشيت مع الملوك وبرغم هذا لا تفقد فهمك للناس .. 
إذا لم يستطع خصومك ولا أصدقاؤك أن يؤذوك .. 
إذا كنت تهتم بالناس جميعا لكن لا تهتم بأحد أكثر من اللازم .. 
فلك الأرض وكل ما فيها .. 
وما هو أهم .. ستكون رجلا يا بني ! 

كل من درس الشعر الإنجليزي يوما يعرف هذه القصيدة ( بالطبع هذا مقطع منها ) ولربما هو يكرهها لدرجة الجنون من كثرة تكرارها. قصيدة ( إذا ) للأديب البريطاني الشهير ( رديارد كبلنج ).. كبلنج الذي كتب ( كتاب الأدغال ) الشهير والذي نعرفه بمقولة ( الشرق شرق والغرب غرب ولا يمكن أن يلتقيا ). إنه نبي الامبراطورية البريطانية وبوقها .. شاعر المستعمرات .. مستر جون بول شخصيا .. 
برغم هذا تظل القصيدة من أجمل ما قرأت . المشكلة أنها تضع شروطا عسيرة جدا لتكون رجلا حقيقيا .. أعتقد أن من يحقق شروط كبلنج المعقدة يستحق أن يكون بطلا من أبطال الملاحم وليس مجرد رجل .