قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, April 29, 2013

عود الثقاب الأخیر

كتبها د أحمد وعمره 23 عاما


هذا آخر عود ثقاب في حافظتي
لا تتعجلْ...!
یعني آخر عود ثقاب
آخر دفءِ 
آخر دخان في صدري 
یعني آخر عود ثقاب
أن أتمهلْ 

*******

هذا آخر عود ثقاب في حافظتي 
لم یتفحمْ.. !
إن أحرق آخر أعوادي 
یفنیني برد لا یرحمْ 
یعني آخر عود ثقاب
أن ریاح اللیل الجوعى 
قد صارت تملك ناصیتي 
یعني 
بل كلا .. لا أدري 
ما جدوى حتى أن أعلمْ ؟

*******

أحرقت الأعواد الأخرى 
بالأول أشعلت شموعاً  في قصة حب لا تُحكى 
والعود الثاني .. لا أذكر 
لكني أحرقت الثالث 
أبحث في الظلمة عن ثغرك 
العود الرابع إذ قالوا أن العسكر جاءوا خلفي 
أحرقت بقایا أشعار تتغنى بوجود أحلى 
جاءوا والأشعار رماد 
سحقوا صلفي 
عرفوا أني أملك أنفاً
جدعوا أنفي 
ولأني أمسك قیثاراً كي یعزف ألحاناً سكرى 
كسروا كفي 
ولهذا 
في السجن المظلم 
أشعلت ثلاثة أعواد كي أعرف ما حل بذاتي 

*******

والعود الثامن كي أشعل سیجارة تبغ ملغومة 
أقنعني مسجون آخر أن أنشقها حتى أنسى 
حتى أنسى
العود التاسع والعاشر
كي أحرق صورتها عندي 
بعض البنزین على العینین سیعطي نیراناً أفضل 
تفنى روحي 
یصحو جسدي 
لم یشتعل العود التالي 
خمسة أعواد قد ضاعت كي أرسم لصدیق أحمق
لغزاً من ألغاز مجلة
قد كان بسیطاً في رأیي 
لكني لم أعرف حلا
نظفت بعود أسناني
ودسست بعود في أذني 
أسقطت ثلاثة أعواد في كف عجوز یتسول 
بضعة أعواد مبتلة 
فلأتمهل 
یعني آخر عود ثقاب أن قراري لن یتبدل 
قد أحظى بلفافة تبغ 
قد أحرق آخر أوراقي 
قد أشعل ناراً في نفسي 
قد أطهو شیئاً لرفاقي 

*******

تتساوى أفعال الدنیا في رأسي المحموم المنهكْ
أحیا
أو أفنى 
أو أعشقْ 
لا أعرف شیئاً في العالم یستأهل أن تقدح ذهنك 
لم أتردد 
لامست الصندوق الأغبر
بالرأس الأحمر في حزم 
هذا آخر عود ثقاب في حافظتي 
لم یتوهجْ !


أحمد خالد توفیق
1985

ضحايا بشار فى مصر



انتهيت من مشاهدة باسم يوسف فى حفل تكريمه بالخارج. جراح قلب وصدر يتكلم بإنجليزية جيدة وبثقة، ويعرف كيف يضحك الجمهور إذا أراد. بدا لى أداؤه مشرفًا وواجهة مشرقة للمصريين، حتى إن كان موضوع كلامه هو قمع الرأى بداخل مصر، وهو موضوع يحب الغربيون أن يسمعوه. كلما قابلت صحفيًا غربيًا وجدت أنه يريد أن تقول له إن حرية الكلام مكبلة فى مصر، وأن هناك مكارثية إسلامية حالية تقطع رأس الخصوم فى الميادين، ولا يقبل سماع أى كلام آخر. باسم يوسف يلخص موقفى السياسى العام.. أنا معجب به جدًا وأضحك مع حلقاته حتى تدمع عينى، وأشهد أنها مكتوبة ببراعة ومزاج. لكنى لست موافقًا على كل ما يقوله.. هناك هامش اختلاف لا بأس به. لكن على من يبتغى الرد أن يصنع برنامجًا آخر له نفس البريق وان يجد شخصية لها ذات الكاريزما، اما أسلوب (سوف نقتله لكن ليس الآن) فهو أسلوب مريض يناسب بالضبط ما يريد الغرب أن يعرفه عن الإسلام

دعونا من هذا، فالكلام كثير على كل حال.. دعونا نتكلم عن أزمة سوريا التى فضل بشار الأسد أن يحرقها بدلاً من أن يرحل. هذا رجل يفضل أن يموت 70 ألفًا من أهل وطنه ويتشرد نحو مليون على أن يتنازل. متوسط الشهداء هو 200 شهيد يوميًا حاليًا، مع نزوح نحو 300 ألف مواطن يتوقع أن يبلغوا 700 ألف مع نهاية العام. والمشكلة هنا أن الجيش معه، وبالتالى تحولت سوريا إلى ساحة قتل كبيرة، وصار الوضع مزمنًا كالسرطان لأن القوى متعادلة تقريبًا. وهو ما يجعلنا نحمد الله على قرار الجيش المصرى المبكر بالانضمام إلى الشعب فى ثورة يناير، حتى لو قيل إنه فعل هذا لمصلحته ولأنه يرفض التوريث

بدون مواضيع العاطفة والتاريخ المشترك والانتماء اللغوى والدينى، تظل سوريا بلدًا بالغًا الأهمية لمصر حتى على المستوى البراجماتى البحت.. كل الفاتحين الكبار مثل تحتمس الثالث وبونابرت عرفوا ان أمان مصر يبدأ فى الشرق.. فى الشام.. سوريا وفلسطين.. ضياع سوريا معناه سقوط البوابة الشرقية التى تحمينا

يزداد عدد السوريين فى مصر مع الوقت، نازحين من نيران وصواريخ وبلاطجة بشار، وبرغم التكلفة العالية نسبيًا للنزوح الذى يكلف 20 ألف جنيه للأسرة. والكل يعرف أن عددهم تجاوز الخمسين ألفًا وأن معظمهم يقيم فى ضاحية 6 أكتوبر التى يطلقون عليها (دمشق الصغرى). يبدو أن النشاط السكانى الأهم فى 6 أكتوبر صار هو الشاورمة والحلوى الشامية. هناك كذلك مناطق الهرم وفيصل والعبور والرحاب وأحياء فى الأسكندرية ودمياط وبورسعيد وبعض مدن الدلتا. هناك تضارب فى الأرقام على كل حال بين 40 ألف لاجئ ومئة وأربعين ألفًا فى أقوال أخرى، مما يدلك على حجم المشكلة. يقول الناشط السورى عبد الله كجك: (إن عدد الأسر السورية التى لجأت إلى مصر حوالى 1300 أسرة متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة خمسة أفراد، أغلبهم من السنة وهناك 13 أسرة من الطوائف المختلفة كدروز ومسيحيين وعلويين..أما الأسر الشيعية فتفضل اللجوء إلى لبنان وإيران)ـ

ليسوا سعداء بالتأكيد.. لا أحد يفارق وطنه ويشعر بالسعادة، لكن المشكلة الأخرى هى أن مصر ليست حاليًا بالبلد الرحب المضياف. مشاكلها كثيرة جدًا

هناك نقاط إيجابية بلا شك ذكرها اللاجئون أنفسهم؛ منها أن اللاجئ السورى لا يحتاج لتأشيرة دخول لمصر.. يمكنه الدخول كسائح ثم يتم تقنين إقامته، ومنها أنهم لا يعيشون فى معسكرات إيواء بل يمكنهم استئجار وحدات سكنية أو تملك مشاريع تجارية. أضف لهذا أن الحكومة المصرية فى صفهم وتسمح لهم بممارسة حقوقهم السياسية

النقاط السلبية هى الحالة الاقتصادية الخانقة فى مصر.. ومشكلة أن البعض ليس على مستوى المسؤولية للأسف. عندما فتح معبر رفح فى عهد مبارك حدث انتعاش اقتصادى مذهل لدى المصريين، لأن السلع بيعت للفلسطينيين بأربعة أضعاف ثمنها.. لم يكن هذا هو الوقت المناسب ولا الزبون المناسب لهذه الشطارة التجارية. يبدو أن نفس الشيء يحدث الآن. هناك مشاكل فى القيد بالمدارس برغم أن الحكومة كانت واضحة فى التصريح للطلاب السوريين بالمعاملة كالمصريين، لكن الأمر الكتابى لم يصل لإدارات عديدة

موضوع الزواج من سوريات جريمة حقيقية، وهناك من يقول إنه زواج شرعى كأى زواج آخر.. بصراحة هذا نوع من (الاستعباط) لا شك فيه. هل تذكر طريقة (جمال مبارك مواطن مصرى كأى مواطن عادى. أليس من حقه الترشح؟). الزيجات لا تتم فى ظروف صحية تسمح بالاختيار، وأحيانًا تتم تحت ضغوط مثل التهديد بالطرد من العقار. وأنت تعرف كما أعرف أنها أقرب لشراء الجوارى، ولا تخلو من إهانة بالغة للمرأة السورية الباسلة التى لا تنال حقوقها على الأرجح. هل تقبل ان تزوج أختك أو ابنتك بمهر 500 جنيه فقط؟.. بعض هذه العقود عرفى والطلاق يتم بسهولة تامة. الخطير هنا أن بعض اللاجئات قد يضطررن للدعارة لسد احتياجاتهن، وإلا يقبلن بهذه الزيجات الاضطرارية المهينة. هذا استغلال جنسى لا شك فيه وإن تنكر فى شكل زواج. أذكر أيام مأساة البوسنة والهرسك أن شاعت مقولة (أستر أختًا مسلمة من البوسنة)... فما أسهل هذه التضحية إذ تتزوج حورية أوروبية بارعة الحسن وتأخذ ثوابًا، وقد تحمس كثيرون لهذه الدعوة، فلما قلنا لهم: (استروا أختًا صومالية) فر الجميع بجلدهم 

فى الأردن هناك زيجات من سوريات تجرى وتنتهى خلال ساعات. هناك حملة اسمها (لاجئات لا سبايا) شنتها ناشطات سوريات نسقتها الناشطة (مازنة دريد)، وهى تقوم بتبصير السوريات بحقوقهن، لكن المشكلة لن تحل ما لم نبدأ بأنفسنا

المشكلة الأخرى هى النغمة الخبيثة الشهيرة (مصر أولاً).. نحن بحاجة لكل مليم فلا يمكن أن نبدد مواردنا الضئيلة على لاجئين. وهى النغمة التى سمعناها أيام مباراة الجزائر إياها وتتردد من حين لآخر، بينما لم يكن احد يجسر على التفكير بهذه الطريقة منذ أربعين عامًا

نغمة المخالفة للمخالفة وبسبب كراهية مرسى، دفعت كثيرين إلى تأييد السفاح بشار لمجرد أن مرسى هاجمه، وبدعوى أن ما يحدث فى سوريا يهدم بلد الممانعة الأخير. لربما كان بشار هو خليفة عبد الناصر وربما كان صلاح الدين الجديد، لكن ما أعرفه هو أن من يقتل 70 ألفًا من شعبه ويتسبب فى نزوح نصف مليون، ويتسبب فى هذه البهدلة لنساء وأطفال وطنه لدرجة البيع فى مزادات متخفية، ويقصف حلب بالصواريخ والطيران، هو شخص لا يجب أن نقدم له البونبون

أكرر رجائى السابق: ساعد الشعب السورى بطريقة من عشرات الطرق الموجودة على شبكة الإنترنت، أو أرسل رسالة فارغة إلى اتحاد الأطباء العرب على رقم 9596، لتتبرع بخمسة جنيهات وهذا أضعف الإيمان، وتذكر أنك تدافع عن مصر أولاً، وعن كل شيء جميل ومقدس فى تاريخنا المشترك ثانيًا

Sunday, April 28, 2013

حسد

كتبها د أحمد وعمره 16 عاما


(عن قصیدة للشاعر الروسي إیفتوشكنو)

===========

الیوم أفضح للجمیع حقیقتي
تلك التي داریتها
في أضلعي 
منذ الصبا
أنا حاسدٌ
الحقد یفعم مهجتي
والسیل قد بلغ الزبى

*******

ٌأنا حاسد
ما دام طفل لم یزلْ 
یحبو بأروقة البشاشة یجتني عبق الأملْ
ما دام یمتلك الغدا
ما دام یثمل بالجمال ولیس یبكیه الردى 
أنا حاسد
ما دام یمتلك الأفقْ 
ما دام يلهو في السحابَ ویبتغي
أن یعصر الأحلام من أیك الشفقْ .. !

*******

أنا حاسد
ما دام يمزح والرفاقَ ویضحكُ
ضحكًا صدوقًا من فؤاد طاهر 
لا یعرف الزیف ولا یتملقُ
أنا حاسد 
فطوال عمري لم أذق طعم الأمل 
قد كنت نهرًا راكدًا 
یؤوي جراثیم الخجلْ

*******

هذا الفتى 
ما زال یمتلك الغدا 
ما زال یملك أن یطارد كل أسراب الطموح
وما فقدت وما مضى

*******

أنا حاسد 
فلسوف یكتشف القلمْ ..!
ولسوف یعثر في أخادید الحروف
على أغان لم أجدها
رغم بحثي المحتدمْ !
حتى بهذا فاقني 
یا للألم !
أنا حاسد 
فلسوف یقرأ ما تركت من الكتب 
سیواجه الدنیا بإصرار الشهب 
سیكون سهمًا من حماس 
من نشاط 
من لهب 

*******

أنا حاسد 
حتى وإن حاولت أن أتصنعا 
وأقول إني لن أعیش سوى حیاتي 
كارها أم قانعا
لكنني 
سأظل أذكر دائمًا 
مهما تصنعت البراءة 
أن طفلاً سوف یصنع 
ما فشلت به أنا !


أحمد خالد توفیق
1978

المفتاح

كتبها د أحمد وعمره 24 عاما


أخطات مرارًا ومرارا
أبصرت بعيني آثاما
ولمست بكفي آثاما
ورشفت بثغري آثاما
لا .. لن أتخير ألفاظي !
لا يوجد في الدنيا لفظ يرتاد خبايا زلاتي
لا أعرف وحشًا في دغل يتشدق أن عاش حياتي

************

لا شيء يداعب أحلامي
مثل الأكذوبة إن تُحكمْ
ولكم قد هشمت زهوري 
كي أتألمْ !
وبذرت بأعصابي حسرةْ
مارست تفاهات الحمقى
واخترت الصندوق الخاوي
حقًا لا أذكر كم مرة
لكني قد كنت حكيمًا
يوم اخترتك كي ترثيني
أهديتك مفتاح كياني
إذ ترحل سفني عن كون
لا يعبأ برحيل سفيني

************

أخطات مرارًا ومرارا
ونزفت بحورًا من أدمع
لكن المفتاح الخالد
سيظل بكفك لن ينزعْ
مهما حاولت .. فلن يُنزعْ !


أحمد خالد توفیق
1986

Friday, April 26, 2013

الآن قد نام قلبي

كتبها د أحمد وعمره 22 عاما


الآن قد نام قلبي
رحماك.. لا توقظیه
قد كان یومًا عصیبًا
في صدر هذا السفیه
والآن یغفو كئیبًا
بالله .. لا تزعجیه !

******

صبي عتابك همسًا
إن كان ما تبتغینْ
أو كان هذا جدالاً
فلترجعي بعد حینْ
الآن یغفو فؤادي
من بعد سهد السنینْ

******

كم من خطوب وحزن
قد ذاق هذا الغریر
قد جاب صحراء روحي
بین المنایا یسیرْ
ما نال إلا قروحًا
ما ذاق إلا شرورْ

******

الآن قد نام قلبي
فلترجعي في الصباح
لا قول عندك یجدي
ما نفع هذا الصیاح ؟
قد عاش قلبي دهورًا
یقتات طعم الجراح

******

إن كنت تبغین هجرًا
فلترحلي في هدوءْ !
أو كنت تبغین وصلاً
فادني بقلب جرئ
یكفیك ما كان منك
في حق هذا البريء

******

الآن قد نام قلبي
فلترجئي كل قول


أحمد خالد توفیق
1984 

انتقــــام

كتبها د أحمد وعمره 17 عاما


لا .. لست قلبًا طاهرًا يُسقى الشقاء فيصفحُ
لا .. لست طفلاً في أثير من نقاء يسبحُ
ولئن سمعت ترنمي .. أنا لست باسمك أصدحُ
ما عدت إنسانًا رقيقًا .. كالذي قد كنته !

************

هشمت ذاتًا من زجاج كان يبرق داخلي
وصنعت منها أحرفًا .. أدميت كل أناملي
شيدت أعماقًا كذوبًا في هواك القاحل
ونسجت ثوبًا من نقاء لا يليق سوى بك

************

فاخترت ذياك الفتى ووطأت كل سفاسفي
وسذاجتي .. وقصائدي البلهاء مثل عواطفي
لا لست أصطنع البراءة .. قد سئمت تكلفي
كم تملأ الأحقاد قلبي .. كم تمزق مهجتي

************

سأظل أرقب في اشتياق يوم يثار لي القدرْ
ويحطم القلب الذي قد خلته فوق البشرْ
سأظل أرقص يومها حول الحطام المحتقرْ
ولسوف يثملني التشفي في الفؤاد الغادر .!

************

كم أشكر النذل الذي سيحيل كونك أدمعا
ويحطم القلب الكذوب فينحني متصدعا !
هذا انتقامي فتنتي .. لا .. لا أراه مروعا
من أجل ذات من أثير.. قد فنت في حبها


أحمد خالد توفیق
1979

الشيء في الصندوق - اﻷخيرة


عندما جلس هاني وحيدا في غرفته، اندهش للتطور الذي يعتري عواطف المرء. عندما عاد للدار كان ساخرا ناقدا لا يكف عن التهكم على سخف الفتيات..  كانت الأمور تبدو له واضحة جدا

كانت الأسرة كلها نائمة الآن.. شخير أخيه الأصغر يتعالى في فراشه الصغير بركن الغرفة.. ذلك الفراش الذي صنعوه له من صندوق قديم وضعوا عليه حشية.. الأبوان نائمان، والفتاة نائمة في غرفتها.. هذا جو من الوحدة يوحي بأي شيء. يتضخم الخيال مع الوقت ويصير المستحيل ممكنا

فلنر هذا الصندوق الصغير إذن
أبخرة الشاي تتصاعد وهو يقلب الصندوق في يده، ثم فتحه بحذر وأخرج اللفافة وراح يقرأ القصيدة

ولما توارى شعاع الأصيل
وعدنا من الغاب نبغي الرحيلا
دعت لي بسلوى وصبر جميل
إذا ما الوصال غدا مستحيلا
وتسمع في الليل همس القبور
وأنفاس من غاب عودا نحيلا
وقابيل يلقى أخاه الحبيب
فتجري الدماء ويهوى قتيلا
لقد حان حينك يا ابن الدياجي
ألا تسمع الموت يأتي عجولا؟
خرجت لتلهو قرب الردى
فجاء الردى غاضبا مستحيلا

لا يمكن أن تتهم الشاعر بأنه عبقري، وبالتأكيد لم يكتبها المتنبي، لكن هناك جوا من الغموض المشئوم يحيط بهذه الأبيات.. شيء سام.. لا شك في هذا.. ستة أبيات

الخط خط رقعة جميل جدا وأنيق.. مد يده يبحث عن ريشة الكتابة التي كان يستعملها في مدرسة الخطوط وأخرج قنينة الحبر الشيني الصغيرة

بحذر.. وبنفس الخط الجميل تقريبا كتب في نهاية القصيدة:ـ

وعدت هنالك وقت الغروب
فألفيتها في انتظاري طويلا
وعاد الوصال يزور القلوب
وعاد الربيع ينير السهولا

بحذر.. وبنفس الخط الجميل تقريبا كتب في نهاية القصيدة - (رسوم: فواز) ـ

تمت بحمد الله
ونظر في رضا إلى البيتين الأخيرين.. نهاية سعيدة إجبارية..  لقد انتهى هذا الكابوس إذن
وهنا انقطع التيار الكهربائي

******

العمة كانت تعرف أفضل في أيامها الأخيرة
عندما تقدم بها العمر وأدركت أن الرحيل على الأبواب، قررت أن تفتح هذا الصندوق الذي وجدته في حاجيات أمها.. أمها كانت تقول كلاما غريبا عن عثورها عليه في المقابر يوما ما، كانت أمها لا تقرأ ولا تكتب لذا لم تعرف قط ما في الصندوق حتى ماتت.. الآن وقد صار الحاجز الفاصل بين العالمين واهيا جدا أو افتراضيا خطر لها أن تلقي نظرة

طلبت من ابنتها وصال أن تجلبه لها، ثم جلست في الفراش تضيق عينها في ضوء المصباح الشاحب
فتحت الصندوق وبعينين واهنتين قرأت المكتوب في اللفافة.. ولم تفهم شيئا:ـ

ولما توارى شعاع الأصيل
وعدنا من الغاب نبغي الرحيلا

بيت شعر واحد.. ما معنى هذا ولماذا يدفنه أحد في صندوق؟ لم تدر السبب.. لكنها طلبت من ابنتها أن تحتفظ به في خزانة الثياب في الرف العلوي.. حيث تحتفظ بالبطاطين

راحت تتأمل عود وصال الرشيق وهي تشب على الفراش لتضع الشيء في خزانة الثياب، وخطر لها أن وصالا هي أروع شيء حققته في حياتها.. عروس فاتنة مكتملة وطالبة جامعية.. أفضل أولادها بلا جدال
عندما نامت أخيرا لم تكن تعرف أنها المرة الأخيرة

يقول رجال الشرطة إن الفتاة ارتكبت خطأ فادحا. لقد عجزت عن النوم فشربت جرعة من دواء الكلورال المنوم.. لما عجزت عن النوم برغم هذا أخذت قرصا منوّما من أدوية الوالدة.. كلورال مع الكحول أو المنوم.. كثيرون تلقوا درسهم الأول في علم الفارماكولوجيا وهم يدخلون القبر

ماتت وصال بطريقة عبثية عجيبة.. مخزون هائل من الحزن صار لدى العمة كي تقزقزه كاللب وحدها في كل ليلة.. وطالت أيام الحزن وهي تدعو الله أن يرحمها وتموت

ما حدث بعد هذا هو أنها طلبت من أحد أولادها أن يجلب لها ذلك الصندوق اللعين.. عندما فتحته بيد واهنة ألقت نظرة على القصيدة.. فوجدت الأبيات تقول:ـ

ولما توارى شعاع الأصيل
وعدنا من الغاب نبغي الرحيلا
دعت لي بسلوى وصبر جميل
إذا ما الوصال غدا مستحيلا

ارتجفت ذعرا.. هذا البيت الأخير لم يكن موجودا بالقطع قبل ذلك
وماذا يقول؟ يقول: "إذا ما الوصال غدا مستحيلا".. بالفعل صار الوصال مستحيلا؛ لم تعد هناك وصال
امتلأت تشاؤما من هذه القصيدة، وتذكرت أنها فقدت ابنتها الفاتنة يوم فتحت الصندوق.  هذا الصندوق ملعون بلا شك.. هذا الصندوق مسحور

وهكذا قضت أيامها الأخيرة في محاولة الخلاص من هذا الصندوق.. جربت طرق التدمير كلها، وفي النهاية أدركت أن الصندوق والقصيدة أقوى من الجميع.. وعرفت أن عليها أن تدفن هذا الصندوق معها.. فقط في كفنها وتحت الأرض لن يجده أحد
هكذا أوصت.. ولم تدر أن هذه الوصية بالذات هي ما سيدفع وغدين من الأسرة، هما هشام وصلاح إلى نبش قبرها.. لقد كان الإغراء أقوى منهما

******

بعد ساعتين عاد التيار الكهربي فأطفأ هاني الشموع التي أشعلها في الصالة.. لم يشعر أحد من النائمين بالانقطاع، أما هو فقد كاد يفرغ أحشاءه ذعرا. تذكر أسطورة لعنة الفراعنة وكيف انقطع التيار الكهربي عن القاهرة لحظة فتح تابوت توت عنخ آمون

قرر أن يعود ليلقي نظرة على القصيدة التي كتبها منذ قليل
هنا وجد الأبيات التالية في نهاية القصيدة:ـ

تراك ستصمد حتى الصباح؟
 تراك ستصبر صبرا جميلا؟

هنا شعر بشعر رأسه ينتصب.. هذا بيت لم يكتبه.. هذا بيت كتب نفسه في الظلام.. القصيدة مصرّة على أن تستطيل.. لم تقنع بالبيتين الأخيرين

وفي هذه اللحظة شعر بتلك الرغبة المجنونة.. هرع إلى المطبخ وانتقى أكبر سكين هناك.. عاد لغرفة النوم.. وقف يراقب في نهم أخاه النائم.. يرمق شريان عنقه النابض.. الدم الدافئ ينتظر بالداخل.. دم أحمر قانٍ
ثم فطن لنفسه فتراجع مذعورا

هرع هاني إلى المطبخ وانتقى أكبر سكين هناك ـ (رسوم: فواز) ـ

هناك الأبوان النائمان في غرفة النوم.. لن يشعرا بالرحيل.. سوف يكون موتا رحيما
وماذا عن الكيروسين؟ هناك موقد بريموس به كيروسين.. لو سكب منه في أرجاء الشقة وأشعل عود ثقاب فلسوف ينتهي كل شيء

ثم فطن لنفسه من جديد.. قرأ المعوذتين.. إنه واقع تحت تأثير نفسي كاسح
يمكن أن ينهي هذا بأن يثب من النافذة.. أن يقتل نفسه.. سيكون هذا أفضل الحلول الممكنة من دون أن يؤذي أحدا سواه
ثم عاد يتيقظ من جديد.. هذا هراء.. إنه يهذي

الشيء في الصندوق وضعه في مأزق يفضّل معه الانتحار على أن يذبح أحبابه.. لكن لماذا يختار بين الاثنين؟
تراك ستصمد حتى الصباح؟
تراك ستصبر صبرا جميلا؟
لا.. لن يستطيع الصمود.. لو مرت ساعة أخرى سيكون قد ذبح كل أحبائه.. أو قتل نفسه

جلب زجاجة الحبر الشيني ووقف عند حوض المطبخ وسكب كل قطرة فيها على القصيدة، حتى تشوهت تماما وصارت عسيرة القراءة.. وضعها في العلبة، ثم غادر البيت
بالتأكيد سمعوا صوت الباب وهو ينغلق.. بالتأكيد أصابهم الذعر وتساءلوا أين هو.. لا يهم

راح يركض في الشارع الخالي
راح يركض عبر تلك الأرض الخالية المظلمة.. أرض لم يتم بناؤها بعد، وإن كانت بعض الأساسات قد وضعت فيها
وجد عمودا من خرسانة فركع جواره في الظلام، وراح ينبش وينبش

فريشت.. فريشت.. فريشت
الصوت يحطم الأعصاب. يمكنك أن تجن بلا مبالغة. هناك تلك النغمة المكتومة، وهناك ذلك الإحساس القوي بالتربة الرطبة
وضع الصندوق الصغير في الحفرة..ثم راح يهيل فوقه التراب

عندها رأى ذلك الشخص قادما من بعيد.. الظلام دامس لكنه يراه في ضوء النجوم.. توقف قلبه للحظة من الذعر، ثم نهض وانطلق يجري بلا توقف

أنت تعرف أنه سيجن ويقتل نفسه في الأيام القادمة.. لن يفهم أحد سبب هذا الضغط العصبي الشنيع الذي  آذاه كثيرا.. لكن هذا ليس موضوعنا طبعا

******

أنا وجدت القصيدة
يمكنني الآن أن أقدم لك هذا الاعتراف الصغير. كنت عائدا من دار صديق لي في هذه الساعة المتأخرة، وشعرت بنداء غريب يدفعني إلى عبور هذه الأرض الوعرة الخالية من المباني.. كنت أشعر بذعر لكني تمالكت نفسي
رأيت هاني يدفن شيئا ويفر كالمذعور.. مشيت إلى حيث دفن ما بيده.. وأخرجت ذلك الصندوق الصغير

وعندما فتحت الصندوق شعرت بأنني أعرف القصة كلها.. أعرف الفتى عمادا وهالة وهاني والوغدين صلاح وهشام
القصيدة قد تلوثت بالحبر الشيني كلها لكني أعرف كل حرف فيها
سوف تكتمل القصيدة.. ربما تبلغ ألف بيت

ويوما ما سوف يكملها أحد رجال التبو في منطقة تسيلي -ممن يجيدون العربية- ويضيع في الصحراء وسط العواصف الرملية.. وسوف يموت، لكن القصيدة سوف تصل كاملة إلى "أوبار"ـ

الآن أنا أملك الصندوق والشيء في الصندوق.. القصيدة..  وأملك أن أنقلها لك.. وأعرف أنها ستكتمل. لهذا كتبت هذه القصة، وبالتالي صارت القصيدة لدى كل من قرأ القصة

تسعة أبيات في هذه القصة، أحدنا سوف يكتشف غدا أنها عشرة أبيات.. والقصة تزداد طولا وتنتقل من يد إلى يد
ـ"أوبار".. قد قمت بواجبي.. فهل أنت مسرور؟

تمت

Monday, April 22, 2013

أن تكون سوريًّا



أكتب هذه الكلمات، بينما التليفزيون يخبرنى بأن المصابين نتيجة المواجهات فى القاهرة يوم الجمعة قد تجاوزوا 130 مصابًا. حسب الأخبار هناك من أطلق الرصاص على المتظاهرين فى جمعة تطهير القضاء. المرء يتمنى أن تستمر مظاهرة واحدة سلمية حتى النهاية. مظاهراتنا السلمية دامية جدًا، حتى أن المرء يرتجف خوفًا من المظاهرات التى يقررون أنها غير سلمية من البداية

مشكلة هذا الوضع دائم التأزم هو أن ثورة سوريا والأحداث المروعة فيها نالت منا اهتمامًا أقل مما يجب بكثير، سواء على مستوى المشاركة الشعبية أو الإعلام. وقد اعتدت أن يقول لى أصدقائى السوريون: «الله يعينكوا على اللى انتو فيه». هذا يذكرنى بأيام الانتفاضة الأخيرة فى فلسطين عندما خرجت الجماهير المصرية الغاضبة تؤيد الشعب الفلسطينى، ونقلت قناة الجزيرة صورًا للشرطة المصرية وهى تصفع رجلاً مسنًا وتضرب امرأة.. قال أحد قادة الانتفاضة الفلسطينية: «الحقيقة أن الجماهير الفلسطينية يجب أن تخرج فى مظاهرات من أجل ما يمر به الشعب المصرى من عذاب !»ـ

تعثر الثورة المصرية قد أخر ثورات أخرى عديدة فى المنطقة بالتأكيد، ولعل هذا هدف فى حد ذاته. وقد خطر لى أن الشعب السورى يمر بهذا المخاض العنيف كى يصير فى النهاية مثلنا الآن !.. هذا شيء غير مغر على الإطلاق. لكن خطابات تصلنى من سوريا تخبرنى طيلة الوقت أننا فى وضع مترف بالنسبة لما يعانيه هؤلاء الأشقاء

هذا خطاب من أحد سكان حلب - المحامى علاء السيد - يخاطب فيه السوريين الموجودين خارج سوريا، وهو واقعى جدًا إذ يقول إن الثورة معاناة وألم وليست مجرد شعارات تكتبها على الكمبيوتر وأنت فى غرفة مكيفة.. اقرأ العبارات بتركيز وتخيل نفسك فى هذا الوضع:ـ

ـ« أعزائى.. أطلب منكم بكل محبة أن تجربوا بعضاً من الأمور التالية، قبل أن تكتبوا أو تعلقوا على ما نكتب، لكى تكون كلماتكم ملامسة جزئياً لواقعنا:ـ

 جربوا أن تُنزلوا قاطع الكهرباء فى بيوتكم ليلاً لمدة عشر ساعات فقط لا غير، لا لأيام طويلة كما يحدث عندنا، ولا تخرجوا يومها من البيت، وابقوا مع أطفالكم منتظرين على أضواء الشموع، شغلوا تسجيلاً لصوت انفجارات صواريخ وقذائف وطلقات رصاص تدوى حولكم، متخيلين أن يكون إحداها فى بيتكم فى كل لحظة

جربوا أن تضعوا أهم مقتنياتكم فى شنطة صغيرة، تضعونها دوماً خلف الباب، مقتنعين دوماً أنه سيأتى يوم تخرجون هاربين من بيوتكم، وربما لا يتسنى لكم اصطحاب هذه الشنطة، لتفقدوا كل شيء حينها

جربوا أن تمثلوا تمثيلية صغيرة، تجمعون فيها أطفالكم برعب وتهرعون عند الفجر بالملابس التى عليكم فقط، لتبيتوا ليلة واحدة فى العراء، وحاولوا أن تتخيلوا فى هذه الليلة أنكم فقدتم كل شيء، ولن تستطيعوا العودة بعدها لبيوتكم

جربوا أن تتخيلوا أن باب البيت تحطم وفتح على مصراعيه، ودخل منه مجموعة أشرار مدججين بالأسلحة والقنابل اليدوية، يرغدون ويزبدون، محطمين كل ما يقع تحت أياديهم، طالبين رجل البيت الذى يفكر لأجزاء من الثانية هل يهرب ويترك زوجته وأطفاله تحت رحمة هؤلاء، أم يستسلم لهم، ليلقى مصيراً مجهولاً ومعلومًا فى الوقت ذاته

جربوا أن تقطعوا المياه عن بيتكم لمدة يوم واحد فقط، وأن تراقبوا الخزان المنزلى عشرات المرات يومها هلعين من أن تفرغ مياهه، وعندما تفرغ جربوا أن تحملوا وعاءً بلاستيكياً يتسع لعدة ليترات، وتخرجوا فى الشوارع بحثاً عن طريقة لملئه، فلا تجدون

جربوا أن تركنوا سيارتكم فى أى مكان، وتنزلوا منها لمشوار بسيط، وتنظروا إليها مودعين، وأنتم مقتنعون تماماً أن الإمكانية الغالبة هى عدم رؤيتها عندما تعودون، وإن جرى ذلك، يهنئكم من حولكم بالسلامة لأن السيارة خطفت وأنتم لستم بداخلها، وفى اليوم التالى تشاهدون سيارتكم يقودوها أشرار لا تجرؤون حتى على النظر إليهم

ليجرب أصدقائى الأطباء منكم أن يجروا فحصاً أو عملية جراحية، بإمكانيات طبية معدومة، وهم طوال الوقت ينظرون لسقف الغرفة بترقب متوقعين أن ينهار عليهم نتيجة انفجار قذيفة ما

لتجرب الأمهات منكم أن يودّعن أطفالهن يومياً وهم ذاهبون للمدرسة، هذا مع العلم أن أغلب الأطفال لم تفتتح مدارسهم إلا من أسعفه الحظ، وتنظرن إليهم نظرة أمل بأن يسلمهم الله ويرجعوا سالمين، مع قناعة داخلية بأن ضرراً كبيراً من الممكن أن يصيبهم، بالخطف أو بالموت برصاصة طائشة أو قذيفة أو بجريمة متعمدة، حمى الله جميع الأطفال

جربوا أن يتوقف دخلكم المادى تماماً لشهور طويلة، وأن تستنفذوا مدخراتكم الهزيلة، وأن تصطدموا أمام واقع أنه لا يوجد فرصة عمل من أى نوع، وبالتالى لا دخل مادى، وتقفوا عاجزين أمام جوع أطفالكم

جربوا تمثيلية صغيرة أن تتعرض زوجة لحالة ولادة، أو طفل لحالة ألم شديد ليلا ً، ولا توجد أية وسيلة اتصال بأى طبيب، هذا إن وجد طبيب باق فى البلد أصلاً، وأن تحملوا المريض المتألم وهو بحالة خطرة، فى الظلام الدامس، فى طرقات لا يسير فيها حتى الأشباح، باحثين عن أى مشفى لم يغلق أبوابه منذ زمن أو معونة طبية لا تجدونها، ويعترضكم فى الطريق مجموعة من الحواجز يشهر أصحابها أسلحتهم عليكم، مفتشين السيارة بشك وريبة وببطء مميت، لتعودوا بعدها خائبين دون إيجاد أى مساعدة، وتنظروا بصمت وبلا حيلة لمن تحبون، يتألم ويصرخ دون أن تستطيعوا أن تقدموا له نفعاً

جربوا أن تتخيلوا أنكم دخلتم إلى أى سوبر ماركت، لتشاهدوا منتجات غذائية وغيرها بماركات لا يعلم بها إلا الله، وبدون أى تاريخ صلاحية أو رقابة صحية، لشركات أقل ما يطلق عليها شركات الحروب والأزمة، وبأسعار تزيد عشر مرات عن أسعار المنتجات المعروفة المأمونة، ولا خيار أمامكم إلا شراءها لإطعامها لأطفالكم آملين أن لا تسبب لهم التسمم

أنا أعلم علم اليقين أنكم لن تجربوا أياً مما ذكرت، لأنه مما لا يطيقه بشرُ ليوم واحد

و لكن نحن نعيشه فعلياً منذ شهور طويلة

نتمنى أن لا يجلس البعض منكم منتظراً استقرار الأمور، لينزل من سلم الطائرة بالطقم والكرافتة والشنطة السمسونايت ليقبل أرض الوطن، مطالباً بحصته بما تبقى من الكعكة المنهكة، هذا إن تبقى شيء، وفقاً لنضاله الطويل عبر التعليقات والبوستات النارية الفيسبوكية، وبحفنة الدولارات التى تبرع بها لأعمال الإغاثة خلال حفلة باربكيو مقامة على أرض حديقة من النجيل الأخضر، وأعود وأنوه أننى قلت البعض منكم

أتمنى ممن يخطط لذلك أن يصل للوطن أبكر من ذلك بقليل، ليجرب على أرض الواقع لا بالخيال ما هو الثمن الذى يدفعه من هم بالداخل، غير طامعين بأى مكسب إلا النجاة بحياة أطفالهم لا بحياتهم

و باقون لن نغادر، وبدون شكوى أو اعتراض على ما قسمه الله لنا وقدره علينا، آملين بالنصر

رفقاً بنا أحبتى.... فلو جربتم بالخيال فقط بعضاً مما ذكرته أعلاه لعذرتمونا.. رجاء أخير.. لا تعلقوا على هذا البوست كالعادة: عمن هو المسؤول عن ذلك، وتتهاتروا، فالمسؤول معروف، والجدل فى هذا الموضوع عقيم»ـ

للحديث بقية طبعًا، لكن أرجو إلى أن نلتقى ثانية أن تساعد الشعب السورى بطريقة من عشرات الطرق الموجودة على شبكة الإنترنت، أو ترسل رسالة فارغة إلى اتحاد الأطباء العرب على رقم 9596، لتتبرع بخمسة جنيهات وهذا أضعف الإيمان

Thursday, April 18, 2013

الشيء في الصندوق - 4


أين عماد؟
كانت الساعة الآن الحادية عشرة ليلا، وقد أوشك الأب على غلق أقفال البيت.. ثم تنبه الجميع إلى أن الصبي عماد ليس هنا، وهذا شيء معتاد.. لكنه لا يطيل التأخر إلى هذا الحد لأنه عوقب كثيرا من قبل على تأخره خارج البيت.. الحقيقة أنه شبيه بقط حبيس لا يقر في البيت أبدا

عماد.. عماد.. أين أنت أيها الوغد؟
هكذا بدأت عملية البحث. وتم سؤال الجيران، ثم ارتدى الأب ثيابه من جديد وخرج يبحث عن الصبي وهو يطلق السباب.. من الخير للفتى أن يكون قد مات فعلا.. هذا هو المبرر الوحيد الذي يسمح بالغفران له.. فيما عدا هذا ليس من مصلحته أن يظل حيا.. سوف يموت فورا

جو التوتر العام ساد البيت، وبدأت الأم تقرأ القرآن وتهرع من حين لآخر إلى الشرفة

هالة شعرت بتأنيب ضمير.. ربما هو خائف جدا من موضوع السيجارة.. ربما خائف لدرجة أنه فر من البيت.. هي كانت قد أزمعت أن تكتفي بإرهابه.. لكن من أين له أن يعرف باقي نيتها؟

يجب أن نقول كذلك إن الجو كان ملوثا بالموت.. حادثة الموت التي وقعت صباحا جعلت الجميع متوترين
هكذا دخلت غرفتها وحاولت أن تفكر في شيء آخر، لكن صورة عماد كانت تبلبل ذهنها
مدت يدها للصندوق لتعيد تفحّص تلك اللفافة اللعينة.. وبشفتين تتحركان قرأت الأبيات:ـ

مدت هالة يدها للصندوق لتعيد تفحّص تلك اللفافة اللعينة ـ (رسوم: فواز) ـ

ولما توارى شعاع الأصيل
وعدنا من الغاب نبغي الرحيلا
لقد حان حينك يا ابن الدياجي
ألا تسمع الموت يأتي عجولا؟
خرجتَ لتلهو قرب الردى
فجاء الردى غاضبا مستحيلا

هنا توقفت وراجعت آخر أبيات
هناك جزء لم تقرأه من قبل.. هي متأكدة أن آخر بيت في القصيدة اللعينة كان البيت "لقد حان حينك يا ابن الدياجي.. ألا تسمع الموت يأتي عجولا؟"، فماذا حدث بالضبط ومتى؟ هناك بيت قد أضيف.. لا شك في هذا.. نفس الخط ونفس الحبر

كانت هالة قوية الشخصية تثق في حواسها جيدا.. أي شخص سواها كان سيعتقد أن البيت الأخير قد فاته، لكنها كانت متيقنة.. القصيدة اللعينة قد استطالت بيتا

البيت يتكلم عن شخص أراد اللهو قرب الردى فمات.. كان الردى أكثر براعة

 *******

في الصباح وجدوا البقايا وعرفوا القصة كاملة
الصبية الذين كانوا مع عماد رأوا المشهد ففروا لبيوتهم وأصابهم ذعر حيواني يمكن فهمه، وقرروا أن يلوذوا بالصمت.. لكنهم تكلموا في النهاية

عماد نام على قضيب القطار -بين القضيبين إذا شئت الدقة- ودفن رأسه بين ذراعيه بينما قطار الثامنة قادم، وكان ينوي أن يبهر الصبية بشجاعته.. هؤلاء المراهقون يمكن أن يفعلوا أي شيء كي يبهروا أترابهم. ما حدث هو أن شيئا يتدلى من القطار تمسك به.. تعلق بسرواله.. وهكذا فوجئ الصبية بأن زعيمهم قد اختفى. لم تمر العجلات من حوله في سلام، ويبدو أن جسده تفتت في ثانية واحدة

كانت ميتة شنيعة، وسوف أعفيك من وصف ما فعلته الأسرة والأم رحمة بأعصابك.. لقد حلت حقبة من اللون الأسود والكآبة على هذا البيت الذي كان آمنا

ظلت هالة تشعر بعدم راحة نحو ذلك الصندوق اللعين، وتلك الأبيات الغريبة التي قرأتها والتي ازدادت بيتا بلا تفسير واضح

ذات ليلة جلست في فراشها ومدت يدها تفتح ذلك الصندوق من جديد.. تحسست أبيات القصيدة وقرأتها مرة واثنتين.. وقررت أن تعرض هذه الأبيات على مدرس اللغة العربية الشاب جارهم، لعل الكلمات تخفي أكثر مما تفهمه هي. ثم غلبها النعاس والعلبة في يدها

هي الآن نائمة على ظهرها. صدرها يعلو ويهبط كأنها تعاني عسرا في التنفس. العرق.. العرق يجعل شعرها عجينة واحدة لزجة.. كهف مظلم.. مشاعل.. هناك من ينتظر في الكهف.. عينان شريرتان.. رائحة عطن غريبة.. هذه رحلة لم يقم بها بشري إلى عالم لم يره أحد. أعماق الظلمات.. المادة الخام للشر.. تشعر بهذا كله.. وتدرك أنها مذعورة، لكنها كذلك عاجزة عن النهوض.. عاجزة عن الفرار

كان هناك من ينتظر في الكهف وله عينان شريرتان ـ (رسوم: فواز) ـ

وسمعت صوتا يأمرها:ـ
ـ تخلصي من القصيدة! تخلصي من القصيدة إن شئتِ السلامة
كانت تسمع الصوت بوضوح، تعرف أن هذا "أوبار". لا شك في هذا برغم أنها لا تعرف من هو "أوبار" ولم تسمع عنه من قبل. كانت ترتجف خوفا.. عرفت أنها اختُرقت وأنها ترى ما لا يحق لها أن تراه

*******

كان البيت كله غافيا عندما اتجهت هالة إلى المطبخ.. صوت أذان الفجر يتردد من مسجد قريب. وضعت الصندوق على الموقد، ثم أشعلت عود ثقاب؛ سوف يحترق هذا الشيء القذر.. سواء كان خطرا حقيقيا أو وهما.. إنها تشعر بأنه ملوث بالدم.. لماذا ظهر بعد الحادث الأخير؟ ولماذا التقطه المرحوم عماد بالذات؟

بدأت النار تتمسك بالصندوق وتنهدت هي الصعداء. لكنها بعد لحظة بدأت ترتجف.. إن النار تلتف حوله لكنها لا تؤذيه. هذا الشيء أقوى من النار

جرّبت أن تحرقه عدة مرات وبللته بالكيروسين وجربت من جديد.. لا جدوى.. هذا الصندوق اللعين أقوى من أن يزول بسهولة

فكرت في أن تلقيه في القمامة، لكن الإجابة كانت قد وصلتها وشعرت بها في أعماقها بلا جدال. هذا ما يريده ذلك المسخ الذي رأته في الحلم بالضبط.. هناك أحمق سيجد الصندوق في القمامة ويفتحه، وسوف ينتقل الصندوق ليد أخرى ويموت شخص آخر.. وسوف تزداد القصيدة طولا

لو احتفظت بالصندوق فهي تجازف بميت آخر، أو جريمة قتل أخرى
ربما يقتل أبوها أمها، أو العكس، أو تفعل هي هذا كله
حاملة هذه الهواجس عادت إلى غرفة نومها التي تسلل لها ضياء الفجر الخافت الواهن.. جلست على الفراش كأنها بوذا يتأمل.. وقررت أن تنتظر حتى يصحو الجميع

*******

من المهم أن نجد من يحبنا.. لسبب واحد هو أننا نحتاج أحيانا إلى من يصدقنا.. وكان هاني يحبها فعلا.. مدرس اللغة العربية الشاب الذي يقطن قرب بابها يهيم بها حبا.. لقد تبادلا الحديث الصريح كثيرا وكانت تعرف أنه ينتظر.. يستجمع شجاعته قبل أن يكلم أباها

جلسا في ذلك المقهى الذي اعتادا الجلوس فيه، فرشفت بعض الشاي من الكوب.. ثم استجمعت شجاعتها وحكت له تلك القصة الطويلة
بالطبع لم يبدُ مصدقا، لكنه يحبها وعلى استعداد لسماع الكثير من هرائها.. ربما اعتبر هذا ترفا

لما انتهت من قصتها دفنت وجهها في الكوب حتى لا يسخر منها
قال لها:ـ
ـ وأين هذا الصندوق؟
نظرت حولها ثم وضعته على الشرشف أمامه. مد يده ليفتحه لكنها أوقفت يده في صرامة:ـ
ـ لا أعرف.. ربما تصيب اللعنة من يفتح الصندوق أو يقرأ القصيدة

ـ أنا سآخذ الصندوق الآن
قالت في جزع وقد اتسعت عيناها:ـ
ـ أنت لا تفهم. هذا هو ما يريده بالضبط.. يريد أن يجد مسارا جديدا للحياة
ـ لنقل إنني لن أمنحه هذه الفرصة

ثم مد يده يعبث وأخرج القصيدة.. قرأها مرة ومرتين ثم قال باسما:ـ
ـ ليس شعرا جيدا جدا.. لو كان هذا الشعر يكتب نفسه فهي طريقة غير ناجحة لكتابة الشعر.. ثم أن بعض الأبيات مكسورة

ثم التمعت عيناه وقال في حماسة:ـ
ـ أنا أكتب الشعر كما تعرفين.. سأكمل هذه القصيدة بنفسي

.......

يُتبع

Tuesday, April 16, 2013

مع الأيام



من ضمن ملاحظات شارلى شابلن على الكوميديا، أن النكات لا يجب أن تكون متلاحقة أكثر من اللازم.. يجب أن تكون هناك فترة كامنة تسمح للمشاهد بالضحك بعد كل مشهد طريف، أما تدافع النكات فيجعلها تقتل بعضها قتلاً. عندما ينزلق البطل على قشرة موز، فلتنتظر قليلاً إلى أن يضحك الناس قبل أن يسكب أحدهم دلو ماء فوق رأسه، عندها سوف يضحكون ثانية

تذكرت هذه القاعدة وأنا أتابع ما يحدث فى مصر مؤخرًا.. يبدو واضحًا أن من يرسمون خطط الثورة المضادة لا يعرفون هذه الطريقة، والنتيجة هى أن الأحداث تتوالى بسرعة جنونية. منذ فترة قصيرة جدا، كنا نتكلم عما حدث فى المقطم، والاستفزاز الذى أدى إلى انفلات الأعصاب.. فجأة قبل أن ننهى الكلام عن هذا، وقبل أن تنضج عواطفنا وأفكارنا، نسمع عن القضايا المنهالة على باسم يوسف، وقبل أن نفهم ونتكلم تقع حوادث التسمم فى الأزهر، التى يرى البعض أنها نتيجة إهمال جنائى، ويرى البعض الآخر أنها حرب يشنها الإخوان على شيخ الأزهر. لماذا يشنون الحرب؟.. لأنه يقف فى طريق مشروع الصكوك لذا استحق العقاب. وفجأة انقلب موقف المعارضة 180 درجة تجاه شيخ الأزهر الذى كانوا يعتبرونه رجل مرسى، فصار رمز الثورة وآخر الحصون ضد الإخوان. نفس الموقف من حكم العسكر الذى كانوا يطالبون بسقوطه منذ عام فصار الجيش هو المنقذ الوحيد.. وقبل أن نتكلم باستفاضة عن حوادث التسمم نفاجأ بإعادة فتح ملف الفتنة الطائفية.. نفس المراسم والمظاهر والكلمات. وسط سحابة من الرصاص المنطلق من مكان ما. كالعادة لا أحد يعرف من أين جاء ولا من أطلقه.. لماذا؟.. قالوا لأن الأقباط وقفوا مع شيخ الأزهر ضد الإخوان، فقام الإخوان بتدبير هذا العقاب

هل أعطونا فترة لنناقش هذا؟.. لا وحياتك.. على الفور انهالوا فوق رؤوسنا بموضوع التخلى عن حلايب وشلاتين.. حسب كلامهم تخلى مرسى عن كل جزء فى مصر ما عدا المقطم

ما هذه السرعة فى الأداء؟.. هناك درجة واضحة من العصبية والعجلة فى أدائهم، كما هو واضح، والنتيجة هى أن تدافع الحوادث جعلها سريعة النسيان.. من يذكر ما حدث فى المقطم اليوم؟.. أنصح جنرالات الثورة المضادة فى مصر وخارجها أن يتريثوا قليلا بين كل حادث والآخر حتى يعطوا كل حادث حقه وقدرته على التأثير.. فليؤجلوا حادث هذا الأسبوع قليلاً إلى أن يستوعب الناس ما سبق

قلت لصديقى: «الحقيقة أننى أعطيت مرسى والإخوان مزية الانتظار.. لقد هاجمهم الجميع منذ أول لحظة وتحرشوا بهم، لكنى فضلت الانتظار والصبر، ورفضت ابتلاع جبل الأكاذيب الذى أحاطوهم به، حتى شعرت فى لحظات أننا نتكلم عن الحاكم العسكرى الإسرائيلى.. اليوم مرت تسعة أشهر والأمور تزداد سوءًا، ويمكن القول فعلاً وبلا أى تحرش أنهم فاشلون..»ـ

قال: «هل جئت لتكتشف هذا الآن؟.. منذ اللحظة الأولى جاؤوا بغراب، وطلبوا منه أن يغرد كالبلبل.. كنت أعرف منذ اللحظة الأولى أنه لن يستطيع التغريد.. خبرتك كمثقف يجب أن تجعلك تدرك أنه لن يغرد أبدًا..»ـ

قلت: «أما أنا ففضلت الانتظار على الغراب، لأننى أمقت الأحكام المسبقة، ولأن هذه الحكومة جاءت بانتخابات أقرب للنزاهة، وليست هذه أول مرة يبرهن فيها الناس عن خطأ اختياراتهم.. هل تذكر الآمال التى أحاطت بعصام شرف يوما؟.. لكن انعدام الكفاءة لا يعنى الشيطنة، ولا يعنى الحرائق والمولوتوف.. ماذا يفعل العالم المتحضر مع الحكومات الفاشلة؟ بالتأكيد ليس ما نفعله اليوم»ـ

فتحت الكمبيوتر وبحثت فى «يوتيوب» عن أغنية لم أسمعها منذ عقود.. مع الأيام.. الأغنية الرائعة للفنان عمار الشريعى. عمار الشريعى الذى أعتبر أن رحيله هو جزء مات من قلبى ومن الوطن.. هناك أشخاص هم جزء من كيان مصر كالهرم والنيل، ورحيلهم بالتأكيد يعنى تآكل الأرض التى تقف فوقها.. أبدًا لن تظل الأمور كما هى بعد رحيل جاهين وأم كلثوم وعبد الوهاب وشوقى وطه حسين... إلخ

الأصوات الشابة لفرقة الأصدقاء تغنى بصوت مفعم بالشجن:ـ
ـ«مع الايام بنتعود على التوهه وعا الاحزان / وبعد التوهه بنحود ونرمى الجرح للنسيان / ومهما ننسى ما ننسى حنانك يا حبيبة الروح / وباقيه فى قلبنا لسه ولو كان الفؤاد مجروح»ـ

هل تشعر بالقشعريرة؟.. نغمة العود الحانية تنطلق تحت أنامل عمار لتلين الأرض وتنبت الصحراء التى بللتها دموعك

أين مصر؟.. اشتقت لها.. المسكينة البائسة تحملت الكثير جدًا وكانت تستحق الخلاص والراحة، لكنها وقعت بين أنياب الإخوان وأنياب أعداء الإخوان.. وكلا الطرفين لا يبالى بأن تتمزق.. ليس منهم من يملك حكمة المرأة التى تركت طفلها لغريمتها أمام سيدنا سليمان. فلتحترق مصر ولا تسقط فى يد المرشد.. فلتحترق مصر ولا يحكمها العلمانيون

مصدر مجهول يتحدث عن خطة إخوانية ترعاها أمريكا للإطاحة بوزير الدفاع المصرى الفريق أول عبدالفتاح السيسى. منتهى العبث والجنون الإعلامى.. الجنرال شفيق على قناة القاهرة والناس يقول إن الاخوان سيرحلون قبل الحرب الأهلية، فيقول له المذيع فى سخرية إن الحرب الأهلية موعدها محدد سلفًا كأنها مواعيد الدورى.. شفيق يؤكد أنه عائد فى الأسابيع القادمة، كالعادة.. لديه خطط استثمارية وأنهار من العسل واللبن سوف يغرقنا بها لو ذبحنا الإخوان وشنقنا مرسى.. وإلا.. وإلا فهو لن يغرقنا بأنهار العسل واللبن.. سوف يعاقبنا على قلة أدبنا

وأعود لعم عمار الذى يعزف على نياط قلبه، مع صوت علاء عبد الخالق الجريح:ـ
ـ«عرفنا الشوق على بابك ودقينا على البيبان / فتحتى الباب لاحبابك وجيتى علينا بالاحضان / تضمينا وتروينا تفتح فى الجروح ازهار / نقوم نبدر غناوينا فى قلب الليل يهل نهار»ـ

أشار شفيق إلى أن دولاً خليجية لم يسمها ومؤسسات مالية «تساعد النظام المصرى عبر قانون الصكوك الذى يسمح للأفراد بتملك أصول». وتابع «على من سيشترى هذه الصكوك أن يعلم أن النظام القادم سيلغى أى ملكية لتلك الصكوك».. وسياسيًا، كشف المرشح الرئاسى السابق على أنه يدرس التحالف مع جبهة الإنقاذ الوطنية المعارضة التى تضم 11 حزبًا ليبراليًا ويساريًا، لافتًا إلى «هدف مشترك بين حركته وجبهة الإنقاذ»ـ

موضة شيطنة قطر حتى حولوها إلى إسرائيل.. لم تعد عندهم إسرائيل، بل دولة واحدة تشترى كل شىء فى مصر اسمها قطر، ومن جديد تبدأ ألعاب الأطفال وتنهمر الكلمات الجارحة بسبب ما قالوه وما قلناه.. تذكر أجواء مباراة الجزائر..الحشد النفسى وخلط الأوراق واختلاط الثوابت. يحتاج المرء لجهد عظيم اليوم كى يعرف الأبيض من الأسود

«يا واحة راحة الحيران / يا مية عمرنا العطشان / يا ارض الحب والانسان»

ثم يأتى صوت حنان الرقيق الواجف قليلا من فرط تأثر ورهبة:ـ
ـ«هواكى امان وحريه / لياليكى دفا وحنان / بتطوينا سواسيه بنور الحب والايمان / واحلام الصبا الصافى / شجرها فوق غيطانك مال / سقاها نيلك الوافى وطرحت للحياه موال»ـ

قال شفيق للرئيس محمد مرسى: «عليك النأى بنفسك وجماعتك من الأعمال السوداء التى ستشهدها البلاد فى الأيام القادمة لذلك عليك الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة»ـ

يعنى هو يهدد بحرب أهلية فعلاً

وتستمر الأغنية: «ومهما يكون لا بتهونى ولا بتهون لياليكي / و فوق الجرح بتكونى وبيهون عمرنا ليكى»ـ

اسمع كلامى.. افتح يوتيوب واستمع لتلك الأغنية الآن.. عندما تتمالك الدموع المحتشدة فى عينك ستدرك أن هذا سر مصر.. إنها كبيرة جدا وقديمة جدًا وعظيمة جدًا.. بالتأكيد هى أكبر من الإخوان ومن شفيق ومن البرادعى وصباحى.. الكل قالوا إنهم يحبونها.. بينما من أحبها فى الحقيقة هو عمار الشريعى

Sunday, April 14, 2013

عن ال MMR والنصب وأشياء أخرى

بوابة الشباب - مارس 2013

لا كرامة لنبي في وطنه .. هي مقولة شائعة وصادقة بالتأكيد

لا كرامة لنبي في وطنه .. موافق تمامًا. المشكلة الحقيقية هي أن النصابين يعرفون هذه المقولة جيدًا ويلعبون عليها بحكمة لاعتصار عواطف الناس. وهكذا يمكننا – دون خطأ كبير – أن نقول إن النبي الكذاب ينال أعظم المجد في وطنه، ولا يستطيع أحد مناقشته

بما أنني أمارس مهنة الطب فقد عرفت عددًا هائلاً من هؤلاء العلماء النصابين ، الذين يمارسون كافة طقوس العلم الزائف بنجاح تام.  ومن علامات العلم الزائف الشهيرة أن الطبيب النصاب لا يلجأ في عرض نتائجه العلمية إلى زملاء المهنة، بل يلجأ إلى الصحافة، وبما أن الصحافة غير متخصصة فهي تقبل ما يقوله وتنفعل.  يمضي الرجل وعلى وجهه علامات المرارة مرددًا في كل مكان:ـ
ـ"للأسف لدينا العلم كله لكن لا كرامة لنبي في وطنه .. نحن نقبل ما يقوله الأجنبي بينما نعامل علماء وطننا العباقرة أسوأ معاملة"ـ

هكذا تسيل الدموع وينفعل الجميع .. ويبصقون في وجوهنا - نحن الذين جرؤنا على التدقيق العلمي في اكتشاف هذا العالم -  باعتبارنا مجموعة من الفاشلين الذين لا يهمهم سوى تدمير الناجحين.   قال لنا مدير شركة دواء شهيرة إن شعار المصريين هو
PHD
ومعناها في مصر ليس (الدكتوراه في الفلسفة) بل (ادفعوه لأسفل)ـ
Push him down
ربما كان هذا صحيحًا لكن النتيجة هي أن أي اكتشاف وهمي يمر في مصر ويجد من يدافع عنه في شراسة

أذكر أن الأستاذ أحمد رجب الساخر الجميل كتب سلسلة مقالات يهاجم فيها الجهل المخيم على العقل العربي .. لقد زاره طبيب يؤكد أنه صاحب نظرية المناعة العربية -  يعلم الله ما هي -  وأقنعه أنه لا يوجد شيء اسمه الالتهاب الكبدي ج .. هذه خرافة اخترعتها الشركات المنتجة للانترفيرون لتجمع المليارات.  انفعل الأديب الكبير وكتب عدة مقالات يؤيد فيها هذا الطبيب .. بالطبع لا يملك أحمد رجب أدوات القياس لخبر كهذا فهو غير متخصص طبيًا.  أنا مثلاً لو قرأت خبرًا عن (اختراع ياباني لتحويل الضوء المستقطب إلى فلزات أيونية متناظرة يمكنها تشغيل السايكلوترونات بكفاءة) لصدقت الأمر بسهولة تامة

في الثمانينيات كان هناك أستاذ جراحة شهير مولع بالشهرة.  قال هذا الأستاذ إنه ذهب للكونغو وتوصل خلال شهرين إلى علاج الإيدز وأطلق عليه
MM1
سبب هذا الاسم الغريب هو تملق طاغيتين هما مبارك وموبوتو حاكم الكونغو.  ما شاء الله !... اكتشاف علاج الإيدز في ستين يوم..! من قال إننا لا نملك عباقرة ؟. بعدها أعلن أنه اكتشف علاج الروماتويد عن طريق حقن يعطيها في عيادته. جميل جدًا .. نريد معرفة تركيب هذه الحقن أو علاج الإيدز. لكنه رفض بشدة لأنه يخشى مافيا الدواء ويخشى سرقة أفكاره. هكذا ثار المجتمع من أجل هذا العالم الجليل الذي سيرفع اسم مصر في المحافل الدولية، ولما حاولت جامعة القاهرة أن توقفه حفاظًُا على مكانتها العلمية، خرجت كتيبة من الصحفيين في كل مكان تلعن أبا الجهل، وتلعن معاملتنا القاسية للعلماء بسبب الحقد، وترددت العبارة الكريهة (حزب أعداء النجاح).. وكان هناك أكثر من كاريكاتور رسمه مصطفى حسين في جريدة الأخبار للطبيب وقد حبسه رئيس الجامعة في غرفة الفئران

كان هذا الكلام في الثمانينيات .. وعندما عقد الرجل مؤتمرًا صحفيًا فقد خاطب الصحفيين ولم يخاطب الأطباء كما هي عادة العلم الزائف. وتجرأ العظيم يوسف إدريس على فضحه في مقال قوي جدًا، لكن الطبيب الشهير فضل الصمت لأنه يعرف أن حيلة (لا كرامة لنبي في وطنه) لا تفشل أبدًا .. فضل الصمت وترك القراء يردون ويتهمون يوسف إدريس بأنه عدو النجاح
واليوم مر ثلاثون عامًا على هذه القصة ..  السؤال هو: أين هذا العلاج العبقري لداء الإيدز ؟.. العلاج الذي أقنع الناس بوجوده لدرجة أن فتى يعتقد أنه جيمس بوند هاجم الفيلا، وقيد الطبيب وزوجته والخادمة وهددهم بالقتل إن لم يسلموه أوراق بحوث الإيدز !ـ

على كل حال وصل الطبيب للعالمية فعلاً، فقد خصصت مجلة فرنسية عددًا خاصًا عن النصابين أدعياء العلم .. فكان هو أول اسم في القائمة !.. كتب الأستاذ إبراهيم سعدة مقالاً كاملاً عن هذا، وهكذا دخل اسم مصر المحافل الدولية بسهولة !ـ

تاريخ الطب في مصر مزدحم بأمثال هذا الرجل . ونحن نعرف هوجة العلاج بالإنزيمات وهوجة الأعشاب الطبية التي تشفي الالتهاب الكبدي ج .. وهوجة الحجامة من غير أساس علمي.. وهناك حشد من الأدوية التي لا قيمة لها، لكن مبتكريها يعرفون كيف يفوزون برضا الصحافة .. والصحافة تكتب عن العبقري المظلوم الذي ضاع حقه في بلد الجهل هذا .. فإذا رفضت وزارة الصحة أبحاثه فلأنهم بالتأكيد قد تقاضوا مبالغ طائلة من شركات الأدوية .. الخ

ننتقل الآن إلى العالم الخارجي لنرى واحدة من أشهر حالات اضطراب الرؤية في تاريخ الطب .. السبب هو طبيب آخر عرف العالم مؤخرًا أنه نصاب، وهو بريطاني وسيم أنيق يدعى (أندرو ويكفيلد)ـ

دكتور أندرو ويكفيلد

أنت تعرف أن الأطفال يأخذون لقاحًا ثلاثيًا مهمًا للوقاية من  التهاب الغدة النكفية ومن الحصبة ومن الحصبة الألمانية .. يطلقون عليه
MMR
   في العام 1998 ظهرت دراسة في مجلة بريطانية محترمة هي (لانسيت). تزعم هذه الدراسة أن هذا اللقاح يسبب داء التوحد
Autism
الرهيب.  زعم ويكفيلد أنه لاحظ الأطفال الذين تلقوا لقاح
MMR
وكيف ظهرت عندهم أعراض داء التوحد بعد 14 شهرًا، مع مرض غريب وصفه لأول مرة وأطلق عليه التهاب القولون المتوحد. وقد اقترح أن السبب هو اللقاح الثلاثي ورأى أنه ربما كان من الأنسب أن يتم إعطاء كل لقاح على حدة

مجلة لانسيت مجلة محترمة لها قوانين صارمة للنشر، وأنا شخصيًا ممن يعتبرون كل حرف ينشر فيها حقيقة لا تقبل الجدل. لاحظ أن هذا الرجل جريء ولا يتصرف كالنصابين .. لم ينشر في جريدة شعبية أولاً، وإنما دخل معقل الأسد:  مجلة (لانسيت) شخصيًا حيث يربض العلماء المستعدون لالتهامه

من وقت لآخر تثار أسئلة كثيرة حول اللقاحات، خاصة تلك المادة التي تضاف للقاح لزيادة مساحة سطح المادة المستضدة وفعالية اللقاح. المادة تدعى
Adjuvant.
مثلاً في فوضى انفلونزا الخنازير، صار من المعتاد أن تفتح صندوق بريدك لتجد تحذيرًا من وزيرة الصحة الفنلندية - وهي ليست وزيرة صحة فنلندية -  أو من امرأة تدعى سارة ستون .. كان الخوف يتركز على مادة السكوالين التي اتهموها بكل شيء تقريبًا، والأهم أنهم قالوا إن ضررها لن يظهر قبل عشرة أعوام (هكذا تظل قلقًا للأبد) ـ

 عامة هناك دومًا حملة من الرفض المجنون للقاحات الإجبارية عند الأجانب غير الأطباء ، باعتبارها تقحم أشياء صناعية على الجهاز المناعي، وتعتدي على حريتك في الاختيار . يقولون إن الأمراض التي يتلقى الطفل اللقاح ضدها صارت نادرة أصلاً، وهو تفكير شديد الغباء .. لقد صارت نادرة بسبب اللقاح طبعًا يا حمقى، ويكفي أن يتوقف الناس عن استعمال لقاح شلل الأطفال لبضعة أعوام ويروا النتيجة !ـ

 نعود لبحث الأخ ويكفيلد. في العام 2001 بدأ يزداد حماسًا، فزعم أنه وجد أجزاء من فيروس الحصبة في أنسجة الأطفال المصابين بالتوحد .. نشر أوراقًا علمية أخرى واتهم مادة الثمروزال الموجودة في اللقاح بأنها المتهمة. وهكذا بدأت الصحافة تكتب بحماس عن اللقاح، وقلت ثقة المريض الإنجليزي به

كانت النتيجة هي أن كل أولياء الأمور أصيبوا بالذعر .. أولاً كل الآباء الذين لديهم أطفال مصابون بالتوحد طالبوا بتعويضات من الشركات المنتجة للقاح .. ثانيًا أحجم آباء كثيرون عن إعطاء لقاح لأطفالهم .. والنتيجة هي أنك تترك طفلك بلا حماية أمام ثلاثة أوبئة مرعبة؛ هي أبو كعب (التهاب الغدة النكفية) والحصبة والحصبة الألمانية. والحقيقة أن معدلات الإصابة بهذه الأوبئة ارتفع جدًا في إنجلترا وإيرلندا

الطفل فالنتينو بوكا الذي أصيب بداء التوحد في إيطاليا، وتتهم أسرته لقاح
MMR
بالتسبب في هذا
  
الصحافة ووسائل الإعلام تلعب دورها المشئوم الدائم، وهو أنها أعطت أبحاث ويكفيلد أهمية اكثر مما تستحق.  هكذا قل عدد من يعطون اللقاح لأطفالهم. لاحظ الأطباء فيما بعد أن الحصبة زادت لكن التوحد لم يقل بتاتًا .. برغم انخفاض استعمال اللقاح
   
هنا نضع خطًا مهمًا .. اللقاح قد يسبب التهابًا في المخ .. هذا صحيح .. لكن نسبة الالتهاب واحد في المليون. أما الحصبة فتسبب التهابًا بنسبة واحد في الألف !.. حسبة بسيطة جدًا
في العام 2006 انخفض استعمال اللقاح في إنجلترا إلى 60% وهو رقم مخيف لا يكفي لمنع الأوبئة. تأمل ما يعمله العلم الزائف .. قبل صدور المقال كانت حالات الحصبة في إنجلترا 56 حالة .. بعد المقال صارت حالات الحصبة 450 حالة !... وللمرة الأولى منذ عام 1992 يموت طفل بالحصبة .. أما عن داء أبي كعب فقد اكتشفت بريطانيا أنها تواجه وباء حقيقيًا منه عام 2005 .. وللمرة الأولى كذلك يعلن أن الحصبة صارت مرضًا متوطنًا في بريطانيا بعد عشرة أعوام من عدم إعطاء اللقاح.   يخيل لي أنهم لو أعدموا هذا الويكفيلد لكان هذا عادلاً

لقد أثبتت التحقيقات التي أجراها طبيب اسمه برايان دير، مولته جريدة صنداي تايمز،  أن البحث ملفق وأن الرجل نصاب .. تلاعب بالأرقام والتواريخ وكلام الآباء ليناسب غرضه.  ثم تبين أنه عرض أطفالاً يعانون تخلفًا عقليًا إلى إجراءات بحثية عنيفة لم يوافقوا عليها؛ مثل منظار القولون وعينات النخاع. هذا ما اكتشفه المجلس الطبي البريطاني. تم شطب ويكفيلد من سجل الممارسة الطبية عام 2010. تمت إعادة اختبار اللقاح في عدة مراكز، وكانت النتيجة واضحة هي أنه لا توجد علاقة بينه وبين داء التوحد.  هكذا وصفت الجريدة البريطانية الطبية الأمر بأنه "أسوأ خدعة طبية في تاريخ العلم". أما مجلة لانسيت فقد سحبت المقال من سجلاتها. برغم هذا كله ما زالت الصحف وبرامج التلفزيون والإنترنت مستمرة في تأكيد تخاريف ويكفيلد. إنها مجال خصب ممتاز لهواة نظرية المؤامرة الذين يفضلون التعامل مع العواطف بدلاًُ من الحقائق

لاحظ أن لقاح
MMR
ليس إجباريًا في مصر ولا إنجلترا .. أي أن إعطاءه قرار خاص بالأبوين، وتحاول إنجلترا حفز الآباء على إعادة استعماله حاليًا عن طريق زيادة تكاليف التأمين الصحي على الأبوين اللذين يرفضان تطعيم ابنهما .. بمعنى (أنتما تعرضانه للخطر .. ليكن .. ادفعا إذن وأنتما تبتسمان) ـ

يقيم ويكفيلد حاليًا في الولايات المتحدة وهو ممنوع من ممارسة الطب في إنجلترا وفي الولايات. انتخبوه كأسوأ طبيب في العالم لعام 2011 .. كما اختاروه ليرأس قائمة الأطباء النصابين

لكن امثال ويكفيلد لا يقنطون أبدًا .. لديه حيلة (لا كرامة لنبي في وطنه) الشهيرة .. ولديه حب الناس للشك والمؤامرات .. ولديه صيغة (لقد عم الجهلاء .. فليسكت الحكماء).  لهذا يحظى بشعبية لا بأس بها ويعتبره الكثيرون بطلاً، وهو يعلن دومًا أن هناك مؤامرة ضده من السلطات الصحية وشركات الأدوية .. ويؤكد أن كل التقارير عن انتشار داء الحصبة ملفقة للنيل من سمعته العلمية

أرجو أن تتذكر هذا المقال عندما تقابل النصاب التالي ......ـ 

Thursday, April 11, 2013

الشيء في الصندوق - 3


هناك في تلك الكهوف المظلمة في صحراء تسيلي، يمكنك أن ترى أن الليل قد دنا، ومعه بدأت الشمس الحارقة تبدي شيئا من الرحمة
الذئاب تعوي فيرتجف رجال "التبو" الجالسون حول النيران ليلا، ويتبادلون النظرات من وراء ألثمتهم.. بينما تطلق الجمال والإبل رغاءها وحنينها بالترتيب

هناك في تلك الكهوف المظلمة وخلف منطقة الرمال المتحركة، حيث لا يجسر أحد على الدنو، يمكنك أن ترى ذلك الكهف الذي احتشدت الصخور على مدخله.. هل هي صخور حقا؟ بل هي جماجم بيضاء نظّفتها العواصف والرمال الناعمة

هناك عاصفة دانية بلا شك في الغد

داخل الكهف يمكنك بصعوبة بالغة أن ترى ذلك المشعل الواهن، وجواره يجلس كيان فارع مفزع يخيل لك أنه هيكل عظمي، يمسك بريشة هائلة الحجم ويضع أمامه لفافة.. عينان واهنتان تراقبان الورق وسط الضوء الخافت

داخل الكهف يمكنك بصعوبة بالغة أن ترى ذلك المشعل الواهن

إنه "أوبار" الشاعر الملعون.. الشاعر الذي نشرت أشعاره الطاعون وسببت المذابح، وأدت إلى انتحار عشاق وموت أطفال وهم يصرخون

هناك في هذا الكهف ينتظر "أوبار" عدة عقود.. عدة قرون.. من أجل قصيدة جديدة، قصيدة مكتملة الأبيات

 غير أن قصائده كانت ذات خاصية غريبة، هي أنها تكتب نفسها بنفسها؛ يبدأ أول بيت فقط، وأفعال البشر هي التي تكملها

كل قصيدة صنعها الطمع والجشع والمقت والحسد والكفر والشهوات
ـ"أوبار" ينتظر، منذ قرون

هناك قصائد بكل اللغات تتناثر من حوله.. قصائد باللاتينية، بالآرامية، بالسويدية، بالإنجليزية، بالمسمارية، بالأترورية، قصائد اكتملت جميعا وعادت له، وعندما يحرق اللفافة فإنها تصل إلى سيده الدائم، سيده الذي لا يجرؤ على ذكر اسمه

على اللفافة التي أمامه بدأ يقرأ الحروف التالية تكتب بالدم:ـ

ولما توارى شعاع الأصيل
فتجري الدماء ويهوى قتيلا

تحركت شفتاه فيما يشبه ابتسامة قاسية؛ سوف ينتظر

*******

الصندوق الصغير ظل على الأرض فترة طويلة

يمكن أن ألخّص الموقف لك بأن رجال الإسعاف ألقوا بالجثة على المحفة في إهمال، ومن الواضح أنها كانت تقبض على الصندوق الصغير الذي لم يلحظه أحد، قبل دخول السيارة سقط الصندوق على الأرض وركلته الأقدام جوار جدار

وضعوا في السيارة جثة هشام أولا ثم جثة صلاح

صلاح قد هشّمت زجاجة رأسه من الخلف، أما عن هشام فقد فتح النافذة ووثب إلى الشارع ليتهشم جسده على الإفريز، برغم هذا يبدو أنه ظل ممسكا بالصندوق فلم يتخلَ عنه إلا لحظة دخول السيارة كما قلنا

انطلقت السيارة وعواؤها الكئيب يمزق الأعصاب قبل أن يمزق الصمت. ولحق بها عدد من الصبية يتصايحون مرحا

يمكنك أن ترى الصبي عماد والصبي مصطفى.. إنهما يسكنان بالمنطقة، وهما شيطانان صغيران، لهما بالضبط نفس ملامح ونفسية قراصنة الكاريبي. عندما أسرعت الإسعاف مبتعدة أدركا أن اللحاق بها مستحيل، برغم أنهما كانا يشتهيان رؤية الميت، تعثّر عماد على الأرض فسقط جوار الصندوق الصغير، التقطه ودسّه في جيبه ليفهم فيما بعد

هناك يقف الصبية في ركن الشارع يتبادلون التحدي والسباب. عماد يدخن لفافة تبغ إذ تأكد من أن أحدا من الكبار لا يراه، وهذا يعطيه سطوة لا شك فيها على باقي الصبية الذين لا يجسرون على تخيّل مغامرة كهذه

يقول لهم عماد:ـ
ـ وعهد الله.. وعهد الله
لسبب ما لا بد أن يقسم هؤلاء الصبية بعهد الله.. لا يستعملون طريقة قسَم أخرى
ـ وعهد الله أنا فعلت هذا
قال مصطفى في تحدٍ:ـ
ـ أنت كذاب
ـ وأنت ابن "..."ـ

وانقض الصبيان بعضهما على بعض يتبادلان الركلات واللكمات.. حاول عماد أن يفعل هذا كله ولفافة التبغ في فمه، لكن الأمر كان صعبا.. وقبل أن يفهم ما يحدث وجد أذنه في يد قاسية ترفعه عن الأرض.. وعندما نظر بحذر رأى أن هذه هالة أخته.. أخته في العشرين من عمرها، وليس لديها عمل في الحياة سوى أن تجعل أيامه قاسية
ـ سجائر وشجار! انتظر حتى أخبر أباك بذلك

تراجع الصبية في ذعر، بينما الأخت الغاضبة كآلهة الأوليمب تجر الصبي من أذنه نحو ساحة الإعدام، وهي لا تكف عن الشتائم وتوجيه الصفعات له.. كان يعرف أن أمره انتهى.. التدخين جريمة لا تغتفر في بيته

برغم هذا كان يكره أن يراه الصبية في وضع مخزٍ، لذا صاح آمرا بينما هو يبتعد:ـ

ـ الليلة سوف أريكم إن كنت كاذبا

في البيت لم يكن الأب القاسي الغضوب موجودا، فتوعدته هالة بأن عقابه قريب فعلا. لاحظت الصندوق الصغير الذي في يده فسألته عن كنهه.. قال إنه وجده في الشارع ولا يعرف ما به

مدت يدها في حذر وفتحت الصندوق.. ذات مرة ألقى أحدهم عملا سحريا على بابهم، وكان بداخله قطعة قطن التفت على أشياء عضوية مرعبة، مع لفافة ورقية كهذه.. شعرت بقشعريرة وخطر لها أن تتخلص من الصندوق، ثم مدت يدها تفتح اللفافة وقد غلبها الفضول

ولما توارى شعاع الأصيل
وعدنا من الغاب نبغى الرحيلا
وقابيل يلقى أخاه الحبيب
فتجري الدماء ويهوى قتيلا
لقد حان حينك يا ابن الدياجي
ألا تسمع الموت يأتي عجولا؟

مطت شفتها في عدم فهم؛ كانت تتوقع على كل حال أن تقرأ تعاويذ وكلمات سريانية غامضة، أو ترى رسوما غير مفهومة. لكن هذا شعر.. مجرد شعر سخيف، ليس فيه حب ولا غرام ولا سهاد.. هناك كلمة "عجولا" في نهاية القصيدة تبدو نابية للأذن، بالتأكيد ليست عجول الجزار، ولكنها تدل على التعجل

توعدت أخاها المدخن بالويل، ثم اتجهت إلى الهاتف لتثرثر مع صاحبتها

لاحظ عماد بعد ساعتين أن جريمته لم تذكر؛ لم تقل هي شيئا ولم يعرف أبوه القاسي بشيء، إنه في غرفته يلهو ويتظاهر بالاستذكار كالعادة، لكن لا شيء غير هذا

الصبية ينتظرونه كما وعدهم. إن هالة اللعينة غافية الآن بعد ما شبعت نميمة وتهريجا على الهاتف؛ لن يلاحظ أحد أنه خرج

بعد لحظات اتخذ قراره، اتجه إلى باب الشقة بحذر وفتحه وفرّ إلى الخارج. هناك في الشارع عنصره الطبيعي، هناك يصير حرا، يصير ملكا، يصير قائد الشلة الذي يبهر الأنفاس

هناك كان الصبية يقفون في تحدٍ بانتظاره، وكان أكثرهم تحديا هو مصطفى.. قال له في سخرية:ـ
ـهل علّقك أبوك من السقف؟
لم يرد.. سرعان ما اجتاز الفرجة بين الجدارين وراح يركض عبر الخرابة. كان الليل قد بدأ يزحف فلم يعد هناك سوى لون أزرق بكل درجاته، وهناك كانت المساحة الواسعة ممتدة حيث قضبان القطارات تتلوى وتتعاقد في الأفق

قطار الثامنة سوف يمر بعد قليل

بلع الصبية ريقهم وهم يرتجفون من هول المشهد القادم، هو نفسه كان خائفا لكنه كان بحاجة إلى أن يعرفوا من هو؛ بعد هذا لن يفتح أي أحمق فيهم فمه

جرى بحذر إلى أن بلغ المسافة بين القضيبين، ورقد على وجهه وغطى رأسه بكفيه

فلتمر اللحظات التالية بسرعة

.......

يتبع

Monday, April 1, 2013

سيمفونية البذاءة

كان موكب العروس ينطلق عبر شوارع المدينة، قاطعًا الطريق كالعادة.. لا تذهبوا لأى مكان يا سادة فنحن منتشون.. انتظروا حتى ننتهى من نشوتنا. كان موكبًا شعبيًا يتكون من عدة سيارات نصف نقل تحمل الأثاث والأجهزة الكهربائية والمفروشات، وقد اعتلى كل سيارة نحو عشرين بين نساء ورجال. أصوات الكلاكس تصم الآذان، لكن هذا كله مقبول.. الغريب فى الأمر هو أن الشباب الذين يستقلون كل عربة كانوا مدججين بالسلاح الأبيض والسيوف والسنج، وهم يرقصون بها ويلوحون فى فخر. لا أعرف دور السلاح الأبيض هنا، لكن ربما كان نوعًا من استعراض العضلات وتخويف الخصوم على الطريقة القبلية، وقد كانت هناك أغنية أفراح قديمة فى قرية قحافة المجاورة لطنطا:ـ
ده احنا بنات قحافة.. واللى يعادينا مين؟
ده أقل واحدة فينا.. تضرب بالسكاكين

السؤال هو: عندما تلتهب الليلة وعندما يشرب هؤلاء الشباب البيرة ويبتلعون الترامادول ويدخنون البانجو – وهم ولابد فاعلون – فماذا يضمن لك ألا تستعمل هذه الأسلحة لغرض أعنف من استعراض القوة القبلى هذا؟

تساءلت: من يستطيع أن يجمع هذه الأسلحة ثانية ويسيطر على الموقف؟.. لو عاد للحياة وزير داخلية قوى مرعب من وزن فؤاد سراج الدين أو ممدوح سالم فلن يستطيع.. حتى موسولينى نفسه لن يقدر على السيطرة على البلد الذى أفلت عياره فعلاً، وبالفعل كنت أتمنى لو لم يدخل الإخوان مستنقع السياسة لأرى ما كان سيفعله الرئيس الآخر. المشكلة أن الأمر لم يعد يتعلق بمجموعة بلطجية يعرف رجال مباحث القسم أسماءهم وعناوينهم، بل يتعلق بشعب بدأ يتحول إلى بلطجية بالكامل على طريقة مسرحية الخراتيت ليونسكو. كل طبيب فى استقبال مستشفى يعرف صدق هذه المقولة

هذا يعنى أن أمامنا عشر سنوات أخرى حتى يسود التحضر والقانون من جديد، وبعد ما ساد مفهوم أن تحدى القانون (جدعنة) لا شك فيها. إذن هناك جيل قد ضاعت فرصته وسط هذه الفوضى. تذكرت كلمات المفكر الكبير د. يوسف زيدان التى قالها فى ندوة له فى قطر: «لا أتوقع نهضة ثقافية من أى نوع من الجيل السورى الحالى، فهو جيل قد شرخته ومزقته تجربة العنف». يبدو أن هذا الكلام ينطبق على مصر

ساد العنف وقيمه المجتمع المصرى، وبالتأكيد لا أنكر أن الإسلاميين كانوا الطرف البادئ عندما سادت موضة محاصرة الدستورية للضغط على القضاة، وأزمة (لازم حازم) عندما كتب أحدهم: «مفيش حازم.. مفيش انتخابات»، وعندما ملأوا التحرير قبل إعلان الفائز بالرئاسة وقبل الإعلان الدستورى المشئوم، وعندما هاجموا المعتصمين عند الاتحادية.. بعد هذا صار كل طرف يفعل الشيء ذاته مكررًا أن البادى أظلم وأن الإسلاميين هم من استن هذه السنة. لكن متى تنتهى هذه الدائرة الشيطانية إذن؟.. تذكرت عبارة فى مجلة أطفال قديمة: «سوف نذهب لحرق معسكر الهنود، لنؤدبهم حتى لا يحرقوا معسكراتنا انتقامًا من حرقنا لمعسكرهم منذ شهر !»ـ

ليكن.. سوف أبتعد عن هذا المستنقع الشائك، ولنناقش ظاهرة البذاءة.. ظاهرة تفشى متلازمة توريت فى المجتمع المصرى بشكل وبائى، والبذاءة بالطبع نوع من السنج اللفظية.. هناك جرائم تثبيت باللفظ، وهناك طعنات وهناك جرائم قتل.. هناك ذلك الاستعداد الكامن فى الجينات العربية للحرب الأهلية حتى على مستوى التعليق على مقال

تكلمت من قبل أيام حكم مبارك عن مرض توريت، ودعنى أذكرك بقصته: فى العام 1884 وصف الطبيب الفرنسى (جيل دولا توريت) تسعة من المرضى يعانون مرضًا وراثيًا غريبًا يتكون من لازمة قهرية من التقلصات العضلية والسباب البذيء جدًا.. وقد وصف هذا المرض لدى الماركيزة (دى دامبريير) العجوز الوقور التى كانت تأتى بحركات غريبة بعضها قبيح جدًا، مع كثير من السباب، وقد بدأ المرض عندها منذ سن السابعة.. هناك شواهد تاريخية سابقة على وصف المرض ومنها رجل من النبلاء الفرنسيين – نسيت اسمه – كانوا يقيدون يديه خلف ظهره كى لا يقوم بحركات بذيئة بإصبعه فى حضرة لويس الرابع عشر ! أى أنه كان مصابًا بالمرض قبل أن يعرف الطب اسمه

إن السباب البذيء فى كل مناسبة هو عرض مرضى يعرف باسم (كوبرولاليا)، ويمتاز بأنه يخرج من المريض تلقائيًا حتى لو لم يثر أعصابه أحد.. نفس الشيء ينطبق على الحركات القذرة باليد أو لمس العضو التناسلى باستمرار (كوبروبراكسيا).. وهناك النوع الثالث (كوبروجرافيا) وهو الولع بكتابة البذاءات خاصة على الجدران (ادخل أى دورة مياه عمومية واقرأ ما كتب خلف الباب لتعرف أن المرض منتشر).. هناك كذلك الولع بعرض الجسد العارى أمام أفراد الجنس الآخر لإثارة اشمئزازهم

الأمثلة على البذاءة ومرض توريت كثيرة جدًا. مؤخرًا كان هناك خلاف بين الإعلامى د. باسم يوسف ورجل قانون شهير عالى الصوت. أحيانًا أختلف مع باسم، لكن لا أنكر أن نقده نظيف وشديد الذكاء، كما أنه لا يدمى غالبًا، باستثناء بعض التلميحات الجنسية التى لا أتحمس لها. ما حدث هو أن المعركة تحولت إلى حرب شرسة تتضمن كلامًا عن أسرة باسم وزوجته والبامبرز وحقائق يخلطها القانونى بأكاذيب.. فى مداخلة استغرقت عشر دقائق ذكر اسم أم باسم أو لفظة (أمك) عشرين مرة تقريبًا.. مع عشرات التلميحات وإذاعة رقم هاتف يفترض أنه هاتفها، مع طريقة يجيدها رجل القانون هى أن يوحى بأنه لا يقول كل ما يعرف.. ربنا أمر بالستر. بالطبع مع الكثير من الصراخ الذى يجيده لدرجة أن مذيع قناة الفراعين نفسه راح يرتجف ويقول بصوت خافت: «أنا ابنك عاوز أفهم منك». رجل القانون يتعامل مع الناس بطريقة ضباط أمن الدولة السابقين، فلديه سى دى لكل شخص، وكل إنسان لديه بالتأكيد فضائح أخلاقية وربما هو شاذ جنسيًا كذلك.. لا يصدقون ان الإنسان النظيف له وجود أصلاً. عندما فضل باسم تجاهل الهجوم فى الحلقة التالية، اعتبر القانونى أن هذا نصر جديد يضاف لأمجاد الشراسة والصوت العالى

منذ متى يتم إقحام الأمهات فى الخلافات؟ هذه ليست مصر التى أعرفها بالتأكيد

لا أحاول عمل نوع من التوازن، لكن كلا الطرفين يتعاملان بانفلات أعصاب والأخطاء تتراكم.. وماذا عن الشيخ الذى يقول (يا روح أمك) ويوزع صورًا عارية لـ (إلهام شاهين)؟.. والشيخ الذى يرى أن باسم يوسف مغر جدًا ويشبه ليلى علوى؟

هناك فى يوتيوب فيلم مقزز بذيء جدًا يظهر قادة المعارضة وجبهة الإنقاذ يرقصون على أنغام الراب.. مرض توريت يطل برأسه

وماذا عن مظاهرة بعد منتصف الليل تقوم بها جماعة 6 إبريل لمحاصرة بيت وزير الداخلية لإلقاء... لا ليس المولوتوف.. بل لإلقاء الثياب الداخلية النسائية مع شعار (الداخلية عاهرة كل نظام)؟. هذا تصرف أقل من صورة 6 إبريل المثالية فى ذهنى بكثير

قد يكون التظاهر فى المقطم من حقك.. لكن ماذا عن دعابة الخراف السخيفة؟. وماذا عن الاحتشاد أمام أبواب مقر الإخوان للمأمأة؟.. هل هذه طريقة معروفة للنضال؟.. وكيف تستطيع المأمأة أن تطرد الإخوان وتعيد مصر إلى العصر الحديث وتحل مشاكلنا وتقضى على البطالة وتحل أزمة السولار وتنهى الغلاء؟.. هل تعرف بما ذكرنى المشهد؟ بالمدرسة الابتدائى عندما كنا نحاصر طفلاً منا ونزفه مرددين: «حيعيط.. حيعيط!». طبعًا الكلام عن المقطم يطول لكن ليس مكانه هذا المقال

منذ أيام رأيت قياديًا مهمًا فى جبهة الإنقاذ على شاشة الجزيرة يصيح فى عصبية: «يلعن مرسى والصندوق اللى جاب مرسى فى الأرض!». وهذا بدون مناسبة. بعدها عندما حصل حصار مدينة الإنتاج راح يتكلم عن أهمية الحوار مع الشباب الذى يحاصر البوابات

سيمفونية البذاءة.. رقصة العنف.. هذا هو البرنامج منذ فترة طويلة

منذ يومين قال لى صديق قانط: «يبدو بالفعل أنه لايوجد حل سوى الحرب الأهلية.. فلتقم ولنتحمل العذاب بضع سنين أو نمت، وبعدها يسود الاستقرار ويبقى الطرف الأقوى».. لكن هل هم واثقون من أن الإخوان لن يكسبوا هذه الحرب فعلاً، وهم الطرف العقائدى الأكثر تنظيمًا؟

بالفعل لا أعتقد أن الحرب الأهلية فى مصلحة جبهة الإنقاذ والمعارضة بتاتًا. على الجميع أن يتوقفوا ويتفكروا قليلاً، ولنسم العنف باسمه والبلطجة باسمها بدلاً من تملق شيطان الغضب فى النفوس، فكلما قذف صبى ميكانيكى زجاجة مولوتوف على بناية حكومية ليستمتع بالنيران، كتبت الصحف: «الله أكبر !.. الثورة مستمرة.. أيام يناير تعود من جديد !». هل تذكرون أجواء مباراة الجزائر؟