قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, July 8, 2013

كنت أتمنى



كفت الكهرباء عن الانقطاع وصار البنزين متوفرًا وضخ المياه أقوى منذ 30 يونيو أو قبلها بيومين.. قال البعض إن هذا يعنى أن مرسى كان هو المسؤول وقد حلت هذه المشاكل برحيله، وهو رأى معوج.. فكيف يكون مسؤولاً عن الكارثة التى أطاحت به؟. وقال البعض إن من كانوا يسببون هذه المشاكل، ويدسون العصى فى عجلات العربة توقفوا عن عمل ذلك بعد ما رحل مرسى كما أرادوا. ما أعرفه هو أن الكهرباء انقطعت لحظيًا فى شارعنا أول من أمس.. جاء عامل من الشركة لإصلاح الخلل، فلما سأله الناس عما إذا كانت سياسة قطع الكهرباء ستعود، قال وهو يضحك: «لأ خلاص.. احنا كنا بنقطع عشان تثوروا على مرسي!». هذا ما قاله حرفيًا وصدّق أو لا تصدق. المشكلة هنا أن مرسى كان يعتقد أنه هو من يقطع الكهرباء ليخفض الأحمال. وهذا هو لب المشكلة.. الرجل لم يكن يعلم الكثير.. لم يكن يعرف شيئًا على الإطلاق

رحل مرسى، وأرى أن هذا كان الحل الوحيد بعد ما صارت البلاد فى وضع لا يطاق وبدا أنه من المستحيل أن نتحمل ثلاثة أعوام أخرى بهذه الطريقة، ثم جاء خطاباه الأخيران ليدلا على أنه غائب تمامًا عن حقيقة الشارع المصرى الذى يغلى وحجم الاحتجاجات ضده. لكنى لم أستطع أن أمنع شعورًا بالشفقة عليه وأنا أتذكره منذ عام وهو يحتفل بتوليه الرئاسة، ويقف فاتحًا السترة ليكشف عن أنه لا يلبس قميصًا واقيًا، وكيف انتقلت كاميرا الجزيرة إلى قريته لترصد فرحة أهله بأن ابنهم البسيط صار رئيس أكبر بلد عربى. تذكرت خطابه الأول ووعود المئة يوم. كان طيبًا حسن النوايا محدود القدرات بلا شك. لم يعرف وقتها أنه يتلقى كرة من النار اللاهبة وأن الكل سيحاربه بشراسة، وأن محطات فضائية كاملة ستكرس 24 ساعة للسخرية منه ولعنه، وأنه لن يرى يومًا سعيدًا واحدًا. قالت لى زميلة عمل ذكية: «لقد قام مرسى بما لم ينجح به الملك فاروق ولا عبد الناصر ولا السادات ولا مبارك.. استطاع تدمير جماعة الإخوان خلال عام واحد!». هذا صحيح.. لكن هل دمر مرسى جماعة الإخوان أم دمرت جماعة الإخوان مرسي؟.. كان الخطأ الأعظم هو أن تراجعت الجماعة عن قرارها بعدم خوض انتخابات، ورشحت رئيسًا

من الغريب أن الملتحين كانوا مطاردين مهددين أيام أمن الدولة.. فلما تولوا الحكم ازداد موقفهم سوءًا ! كانت اللحية تهددك بالنزول من السيارة للتفتيش فى أى كمين ليلى.. اليوم تهددك بالنزول من السيارة والضرب عند أول لجنة (بلطجية). تذكرت حقبة طويلة منذ أيام الكلية عندما عادت الجماعة الإسلامية فى الكليات.. مجلة الدعوة.. قصائد هاشم الرفاعى وهبل هبل.. سطوة الإسلاميين فى الجامعة لأن السادات أراد محاربة الشيوعيين والناصريين بهم.. الخطبة قبل المحاضرة ومنشورات الجماعة الإسلامية.. مقتل السادات.. مبارك يحاربهم بشراسة..أمن الدولة.. انتخابات 2005.. التزوير ضد جمال حشمت، ونهى الزينى تكشف الأمر.. المدارس الدينية. ما حدث يمثل للتيار الدينى نفس ما أحدثته هزيمة 1967 للمثقفين.. أعتقد أن الإسلام السياسى سيحتاج لفترة طويلة جدًا حتى ينظر له الناس كما كانوا ينظرون أيام مبارك

ولكننى كنت أتمني:ـ

ـ كنت أتمنى بالفعل أن تتم انتخابات مبكرة تهدئ الأمور الملتهبة فى بر مصر، وكتبت هذا فى عدة مقالات. ربما استفتاء على بقاء مرسى من عدمه أو مدى تمسك الشارع به. لكنى كنت أتمنى أن يطلب هو هذا بكرامته الكاملة، لا أن يفرض عليه فرضًا. لو طلب مرسى استفتاء على شعبيته فى خطاب الأربعاء المشئوم وشرح الصعاب التى تواجهه وأبعاد المؤامرة ضده، بدلاً من الغرق فى تفاصيل جراكن البنزين والبلطجية وذكر خصومه بالاسم.. لو فعل هذا لكان الشارع قد هدأ ولربما انحاز له كما حدث بعد خطاب مبارك العاطفى الثانى الذى كاد يهزم ميدان التحرير

ـ كنت أتمنى لو كانت خطابات مرسى أذكى، ولو كان يستعين بكاتب صحفى لامع فى صفه، من وزن فهمى هويدى أو وائل قنديل. لو كتب له هويدى خطاب الأربعاء لتغيرت الأمور كثيرًا. لكن خطابات الرجل سيئة وخطابية وإنشائية وأعتقد انه هو من يكتبها لنفسه. طريقة مخاطبة دولة يجب أن تختلف عن خطبة جمعة فى زاوية ريفية فى قرية. كل خطاب له كان يقنعنا أكثر بأنه لا يصلح

ـ كنت أتمنى لو قام نظام مرسى بما وعد به، ومن ضمنه أن لدى النائب العام السابق (طلعت عبد الله) أدلة مهمة على موقعة الجمل ومقتل الشهداء سيقدمها، وهذا مبرر الحرب الشرسة ضده. ما حدث هو أن الأيام مرت ولم يقدم الرجل أى شيء، ولم ينس المواطن أنه لم يقدم أى شيء

ـ كنت أتمنى ألا يتم اللجوء للجيش وأن ينتهى الأمر بشكل مدنى واضح. لا شك أن الجميع قد واجهوا مأزقًا أخلاقيًا يتعلق بالمبدأ. رفض سابق تام للحكم العسكرى مع ترديد شعارات يسقط حكم العسكر منذ عام واحد، وكان الشباب يمزقون صورة الجندى الذى يحتضن طفلة، وكان كل من يمتدح الجيش أو لا يشتمه بما يكفى يسمى (عبد البيادة). فجأة صار المفكرون الليبراليون جميعًا متحمسين للدبابات وسيطرة الجيش على الحكم. كراهيتهم للإخوان جعلتهم ينسون أهم مبادئهم. تذكرت الشاعر الفرنسى أرتور رانبو الذى عمل كنخاس عبيد..كان الحل العادل الذى اتخذه ليتفق عمله مع ضميره هو أن كف عن كتابة الشعر !. ترى كم من مثقف مصرى مستعد لترك الكتابة؟. ربما يقول المرء لنفسه إن هذا ما حدث بالضبط أيام مبارك: تدخل الجيش لينهى الصراع ويمنع الدماء من أن تغرق الشوارع. لكن الأمر يتعلق هذه الأمر برئيس منتخب. هذا صراع ضميرى لا شك فيه. كان بوسع مرسى نفسه أن ينهى هذا الصراع منذ اللحظة الأولى باستفتاء شعبى يتحرك على أساسه. دعك من أن الملايين التى ملأت الشوارع لا شك فيها ولا يمكن اتهامها بأنها فلول.... لقد تدخل الجيش لمنع صدام ملايين أكثر مع ملايين أقل وهذا ما يريح ضمير المرء نوعًا

ـ كنت أتمنى أن يتميز السادة المفكرون بالعدل، وأن يدينوا غلق القنوات الدينية وقناة الجزيرة مباشر كما أدانوا من قبل بكلمات حازمة وقف قناة الفراعين. يتكلمون عن التحريض.. ومن قال إن قناة الفراعين لم تكن محرضة؟ برغم هذا تحملها نظام مرسى على مدى عام كامل بينما عكاشة يطلق السباب ويهدد مرسى بالقتل. الوحيد الذى عرفته عادلاً فى الموقف الأخير كان باسم يوسف الذى كتب: (الفاشية لا تتجزأ)ـ

ـ كنت أتمنى أن تقل نغمة الشماتة والتشفى فى الإخوان. تذكر أن هناك ملايين يساندونهم وليس من الحكمة أن تحول هذه الملايين إلى نمور جريحة. الجمعة التالية لرحيل مرسى أوضحت أن الأمر لن يكون سهلاً وأن هذه الملايين لن تنسى أو تصفح بسهولة. يبدو أن مشاكلنا فى بدايتها ولم تنته ببيان السيسى

ـ كنت أتمنى أن تحتفظ الثورة بنقائها بدلاً من كل تلك الدماء التى سالت (برغم أنها أقل بمراحل مما توقعت)، ومن 100 حادثة تحرش واغتصاب حدثت فى ثلاثة أيام فقط بالتحرير، كما ذكرت سكاى نيوز يوم الأربعاء 3 يوليو. طبعا ليس الثوار هم السبب بل البلطجية الذين استعملهم رجال مبارك لحماية المظاهرات أو للترويع

ـ كنت أتمنى أن يقبل الإسلاميون دعوة المصالحة الوطنية بدلاً من الاستمرار فى غضبتهم فى ميدان رابعة. نفس ما فعلته جبهة الإنقاذ عندما رفضت الحوار المشترك من قبل. سوف يستمر مسلسل العناد ورفض الحوار إلى أن نجد أنفسنا جميعًا نعيش فى خيام فى الصحراء

ـ كنت أتمنى أن يتولى البرادعى الحكم قليلاً ليثبت أن الكلام سهل وأن من على البر ليس عوامًا. عندما يعترض أحد بلا توقف على طريقة قيادتى فليمسك بالمقود ويرنا قيادته هو. يعرف رئيس الوزراء القادم أنه سيمسك بكرة اللهب وسيتلقى الشتائم بلا توقف، وقد رفض محافظ البنك المركزى المنصب بحماس غير مسبوق

ـ أتمنى أن يكون الشباب أكثر حكمة وحصافة.. قالوا إن الإخوان ركبوا على ظهورهم أول مرة ورددوا دعاء (الحمدلله الذى سخر لنا هذا...).. أرجو ألا يجدوا بعد أشهر أنهم قاموا بالثورة الثانية ليركب على ظهورهم رجال مبارك من الحزب الوطنى وأمن الدولة، ورجال الأعمال الراغبون فى الهروب من الضرائب. وأن دماء الشهداء ضاعت للأبد لأن من أسالوها عادوا ليمسكوا بالدفة..عندها ستقوم ثورة ثالثة بلا شك

ـ كنت أتمنى لو كان الإخوان أفضل وأكثر براعة، ولو كانت المعارضة أكثر عدلاً وأقل تحرشًا، ولو أن الفلول أضعف، ولو أن المرشحين الليبراليين جمعوا كلمتهم من البداية على صوت واحد. إذن لانتخبنا أحدهم ولفاز بأغلبية ساحقة ضد شفيق، ولوفرنا على مصر كل هذا الصراع وكل هذه الدماء