قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, August 19, 2013

عزاء بالجملة



الدم المصرى كله حرام، وهذا مبدأ لا يتجزأ.. ليست هناك دماء أغلى من دماء. المبدأ الثانى هو أن العنف لا يحسم أى شئ ولا يولد إلا العنف. وما يحدث اليوم كابوس بكل المقاييس أعتقد أننى سأفيق منه لأجد أننا ما زلنا يوم 12 فبراير 2011 نحتفل بتنحى مبارك

وعدت بالصمت، لكن الصمت هذا الأسبوع جريمة. يجب أن أؤدى واجب العزاء ثم أصمت

عزاء حار لمصر التى تمر بلحظات من أقسى وأخطر لحظات تاريخها فى حرب شوارع حقيقية، وبلمحة بصر صار المشهد لا يختلف كثيرا عن لبنان والجزائر أيام الحرب الأهلية، وسوريا الآن. لقد مات الأمن والأمان وصارت الشوارع خطرة فعلا، وصار بوسعك أن تجلس فى بيتك وتسمع طلقات الرصاص فى الشارع تحت

عزاء حار لضحايا مذبحة الأربعاء. قد تختلف حول 30 يونيو وهل هو ثورة أم انقلاب أم بين الاثنين – وأنا شخصيا لم أعتبره انقلابا قط بسبب الملايين التى خرجت ضد مرسى – لكنك لن تختلف أبدا حول كون ما حدث يوم أربعاء الرماد مذبحة كاملة، ولو لم تعتبره كذلك فأنت حر.. فى زمن يتهمون فيه البرادعى بانه خلية إخوانية فأنت حر. كان بوسع الداخلية أن تحاصر الاعتصام بإحكام ولا تسمح بدخول الطعام والماء والوقود.. فقط تسمح بخروج من يريد أن يخرج.. هذا ما كانت تنويه وهذا ما اقترحه العقلاء، وهو بالطبع غير ما حلم به الإعلاميون الفاشيون الذين تمنوا حدوث مذبحة كاملة. تقول إن الحصار حدث؟.. إذن كيف دخلت كل هذه البلدوزرات وشكائر الأسمنت والأبقار ومدن ملاهى الأطفال للاعتصام؟.. لماذا لم تحكم الداخلية الحصار أولا ولمدة أسبوع واحد؟. قبل فض الاعتصام بيوم واحد طالبت نوارة نجم بألا يتم فضه بالقوة لأن الداخلية لا تجيد سوى إطلاق الرصاص وسوف تحدث مجزرة.. هذا ما حدث فعلا. أعرف ثلاثة ممن ماتوا فى فض الاعتصام، وأدرك يقينا أنهم لم يكونوا مسلحين، ومنهم الطبيب والمهندس والصيدلى. ومعنى هذا خطير. إذا كنت بالصدفة أعرف ثلاثة فلابد أن عدد القتلى الحقيقى يتجاوز بمراحل رقم 500 الذى أصدرته وزارة الصحة. على فكرة لم يستطع أقاربى استرداد جثة ابنهم إلا إذا قبلوا أن يُكتب أن سبب الوفاة (انتحار). بالتأكيد كان هناك سلاح.. لا يزعمن أحد أن الاعتصام كان سلميا بالكامل، وهناك لدى كل طرف أفلام تثبت كلامه، وقد رأيت إسلاميين يحملون البنادق الآلية ويطلقون بشراسة، كما رأيت بلطجية يحشون مسدساتهم وهم يقفون جوار رجال الشرطة ثم ينطلقون للعمل، ورأيت رجال شرطة حليقى الوجوه مبتسمين يطلقون الرصاص فى مرح كأنها رحلة صيد بط. لكن هل كل من ماتوا كانوا مسلحين؟. كانت النار مشتعلة فى مكان واحد.. ما فعلته الداخلية هو أنها ركلت الشعلة فتناثر الفحم المشتعل فى أرجاء مصر. والعنف لا يولد إلا العنف. وأعتقد أنهم قدموا خدمة عظيمة للمتطرفين وتنظيم القاعدة.. كل من مات قد ترك ثلاثة يريدون الانتقام بأى ثمن

أطلب بحرارة من الإسلاميين أن يتراجعوا حقنا للدماء، خاصة أنهم يواجهون الداخلية والجيش معا. لا للانتحار الجماعى.. نكرر أن العنف لا يجلب إلا العنف وكل الدم المصرى حرام.. لا نريد أن نرى دمكم ولا دم رجال الشرطة والجيش

لا أمسك العصا من النصف كما يحلو لبعض الحمقى أن يعتقدوا، لكن مبادئى لا تتجزأ وهذا ما لا يفهمه كثيرون، ومبادئى هى أن الدم المصرى حرام كله. لهذا عزائى الحار لأسر من ماتوا من رجال الشرطة. هم مصريون.. ومن لم يؤرقه مشهد ضباط وجنود كرداسة المذبوحين لا يستحق لقب بشرى أصلا. فى النهاية هم لم يكونوا يطلقون الرصاص على المعتصمين عندما تم ذبحهم. كانوا يؤدون واجبهم

عزائى الحار للمصريين على كنائس المسيحيين العديدة التى احترقت. وشرخ آخر فى المجتمع المصرى لا يمكن أن يلتئم. تصرف الإخوة المسيحيون بحكمة ووطنية بينما اعتقد من فعل هذا أنه سيدمر نسيج المجتمع المصرى بالكامل. من جديد لا أمسك بالعصا من المنتصف لكن من يرحب بحرق كنيسة أو يصمت عنه هو مثقف منافق، دعك من أنه غبى لا يفهم خطر هذا على الأرض التى يقف فوقها ذاتها. مخالب القاعدة تظهر بوضوح هنا. سؤالى هو: ألم يكن هذا العنف متوقعا بعد فض الاعتصام الوحشى، فلماذا لم يتم تأمين الكنائس وأقسام الشرطة بشكل حازم ؟.. قالوا إنهم أمنوا الكنائس والأقسام والسجون بإحكام قبل 30 يونيو.. فلماذا لم يحدث هذا فى 14 أغسطس؟

عزائى الحار للمصريين الذين كانوا يهتزون لمقتل شهيد واحد مثل خالد سعيد، واليوم يصمتون لدى مقتل ما يقرب من 1500 مصرى فى شهر ونصف حسب تقارير وزارة الصحة وليس قناة الجزيرة

عزائى الحار للدكتور البرادعى الرجل النبيل النظيف الذى لم يفهمه أحد.. حتى أنا أسأت فهمه ووجهت له الكثير من اللوم فى مقالاتي؛ لأننى اعتبرته متخاذلا يجيد السباحة على الشط، والإفتاء على تويتر لا أكثر. مزقه الإسلاميون فيما مضى وهاجموه فى شخصه وعرضه واتهموه بكل شيء حتى احتلال العراق، وهو اليوم يستقيل احتجاجا على مذبحة جرت لهم، وهكذا أثبت أنه يتسق مع مبادئه. هكذا صار الجميع ضده، وراح أصحاب الوطنية المجانية يتهمونه بالعمالة والخيانة ورفعوا عليه عدة قضايا، وإعلامى شهير قال إنه جبان متردد وخائن.. هل تتهمه بالخيانة لأنه استقال؟... كفاية فضائح بأه. العالم كله يشاهد هذه المهزلة

على كل حال يمكن معرفة حال البلد لو نظرت إلى البرادعى وشفيق.. لو وجدت البرادعى ممتعضا وشفيق مسرورا فنحن نتحرك فى اتجاه خطأ.. والعكس صحيح

خالد داود المتحدث باسم جبهة الإنقاذ عدو شرس للإخوان، ولديه مساجلات عديدة فى قناة الجزيرة تظهر بوضوح حماسته لـ 30 يونيو، لكنه مثقف نبيل شريف لم يقبل ببساطة موقف جبهة الإنقاذ من مجزرة الأربعاء ومما حدث للبرادعى، واستقال. ترى كم سيمر من الوقت قبل أن يتهموه بأنه خلية إخوانية نائمة؟ هذا هو المنطق المريض الذى ابتلينا به جميعا: كل من لايدعو لذبح الإخوان هو إخوان

عزائى الحار لمصر التى كانت تستحق أفضل من هذا بكثير بعد تلك الثورة العظيمة، وعزائى لشهداء ثورة يناير الذين ضاعت قضيتهم وسط كل هذه الدماء.. لا اعتقد أن أى تحقيق جدى سيتم الآن. هل يتذكر أحد حسنى مبارك والعادلى وأحمد عز وموقعة الجمل؟.. أنا شخصيا نسيت

عزائى الحار للشباب الذين استبد بهم الإحباط، لدرجة أن هناك مجموعة على النت تحمل اسم (التفكير فى الهجرة) على غرار (التكفير والهجرة). عزائى لمصر التى كانت تقرأ عبارة (حرب أهلية) فترتجف وتقول (أعوذ بالله.. هذه أشياء تحدث للآخرين فقط).. واليوم تشهد حربا أهلية شديدة العنف

اقتباس من مقال قديم لي: جاء البرادعى من نفس المقلع الذى جاء منه غاندى ومارتن لوثر كنج (وكلهم تم اغتيالهم لإسكاتهم لو لاحظت هذا !)، وكان يتحدث لغة راقية لا تناسب معظم الشارع.. الشارع الذى اعتاد صخب سماعات الميكروباص التى تتحدث عن الشبشب الذى ضاع مع أنه كان بصباع، لهذا بدا لهم غامضا باهتا غريبا