قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, November 18, 2013

الاكتشاف العجيب



قبل أى محاولة لإساءة فهم كلامى، فأنا لا أهاجم ولا أشكك فيما فعله هذان الشابان، ولكنى أطالب بإعطاء الخبر حجمه الحقيقى.. يعنى لو كان صحيحًا فهما عبقريان لا مثيل لهما، ويجب أن يكون خبر هذا الكشف مدويًا وينالا جائزة الدولة التشجيعية، أما لو كان أكذوبة فعلى الناس أن تعرف هذا. الفكرة هى أن صديقًا عزيزًا طلب منى رأيى فى كليب معين على يوتيوب، بعدها وصلنى نفس الكليب من أصدقاء عديدين. هنا شابان مصريان فى سن المراهقة يتكلمان إنجليزية ممتازة، ويقولان إنهما قاما بدراسة موجات المخ الكهربية واستطاعا تحليلها، وبالتالى عرفا الموجات التى يمكنها تحريك الأشياء عن بعد.. هكذا يمكنهما حل مشاكل المشلولين. يضع أحد الشابين سماعتين على رأسه ويفكر فتتحرك سيارة صغيرة يمينًا ويسارًا حسب موجات أفكاره. يبدو أنهما نالا جائزة عن هذا الكشف فى مسابقة للمخترعين الصغار. هذه الفكرة ليست جديدة، وهناك علماء كثيرون فى اليابان وأمريكا وألمانيا يحاولون تنفيذها الآن، وقد رأيت تجربة أولى فى التلفزيون. لكن هنا تبرز لنا مشاكل عدة: تمييز موجات الدماغ التى تتعلق بأوامر التحريك وهى مهمة معقدة جدًا تحتاج لعالم فى وظائف الأعضاء.. تكبيرها.. ثم كيف يقرأ الشاب موجات دماغه بمجرد وضع سماعة (هيدفون) عادية؟.. قياس موجات الدماغ يتم عبر عدة أقطاب مثبتة حول الرأس. يتحدث الشابان كذلك عن فتح فى (الميتافيزكس) أو ماوراء الطبيعة وعن (التليكنزس) أو التحريك عن بعد. هنا الكثير من الخلط، فهما لا يعملان فى مجال الخوارق بل تفسيرهما فيزيائى وما نراه ليس تحريكًا عن بعد. كل هذا غمره الشابان فى بحر من الإنجليزية الجيدة فلم يعد أحد يراه.

هل هذا ممكن بهذه البساطة ؟.. وهل نجحا فى تحقيق ما تحاول الشركات اليابانية العملاقة تحقيقه بنجاح متعثر؟. من جديد لا أشكك قبل التأكد.. الشك بلا دليل شبيه بالتصديق بلا دليل، ولن أجازف بتحمل مسئولية هدم عبقريين صغيرين. فقط أطلب من الدولة أن تعنى بهذا الكشف وأن يفحصه أساتذة فيزياء وأساتذة فى طب الأعصاب والفسيولوجيا. لو كان حقيقيًا فهو كشف القرن ، ولسوف يهتز العالم لما نقدر على عمله. لو كان أكذوبة وأحدهم يحرك العربة بالريموت كونترول، فعلينا أن نعلن هذا.

التعليقات على الفيلم كانت إيجابية فى معظمها، ومن تشكك فى الفيلم هوجم بقسوة.. لدينا استعداد فطرى لتصديق أى شيء.

لكنى بينى وبينك رأيت الكثير من قبل.. قرأت فى موقع إنترنت عن طالبة فى الصف السادس الابتدائى تصل لعلاج السرطان. طالب فى ثانوى يصل لعلاج الإيدز. هناك افتراض مصرى راسخ وساذج أن المصرى عبقرى لكن ليست لديه إمكانيات، بينما الألمان واليابانيون أغبياء لكن لديهم الكثير من المال. الحقيقة أن المصرى ليس أذكى من الأجناس الأخرى وليس أغبى، لكن نظم التعليم الفاسدة تؤذيه جدًا. فى مقال قديم لى قلت: «العقلية التى تصدق أى اكتشاف، هى عقلية غير قادرة على التوصل لأى اكتشاف!». نظم التعليم فى مصر تنجب أجيالاً ممن يصدقون أى شيء..

هذا يقودنا لفكرة الاكتشافات المصرية عامة.. هذه الكشوف تابوو مقدس يحرم الاقتراب منه أو التشكيك فيه. هذا نوع من الشطط بلا شك، وكما قلت: الشك بلا دليل شبيه بالتصديق بلا دليل، لكن الشك أقرب لروح العلم، وقد كان روبرت كوخ العظيم ألد أعداء نفسه.. كلما توصل لكشف جديد كان يتصور أنه نصاب وأن شخصًا آخر يجادله ويحاول أن يفضح كذبه.. هكذا كان يوجه لنفسه أسئلة محرجة ويحاول أن يجيب عنها.. لو لم يجب بشكل مقنع كان ينبذ الاكتشاف.. والنتيجة: القضاء على الجمرة والدرن والكوليرا و.. و....

يقولون إنه لا كرامة لنبى فى وطنه.. هذا صحيح.. لكنى أضيف تعديلاً بسيطًا هو أن الكرامة والثروة وكل شيء لمدعى النبوة فى وطنه. يصل أحدهم لكشف ما، ثم يسرع ليتوارى خلف جدار حصين.. الجدار عبارة عن مقولات نسمعها كل يوم (لن نتقدم أبدًا لأن النفوس وحشة ونحن نحقد على بعض)، (عندنا العلم كله بس يا خسارة) ، (المصرى لا يجيد سوى هدم المصري)، (الشركات العملاقة يهمها ألا تظهر هذه الحلول الرخيصة). وراء هذا الجدار ظهر ألف علاج للسرطان وألف علاج للسكرى وألف علاج للالتهاب سى، والويل لمن يجرؤ على التشكك أو يدعو للتعقل.. إنه حاقد ومن حزب أعداء النجاح، ولا يجيد سوى الهدم. فقط يتكفل الزمن بأن يكشف الحقيقة بعد ما يكون الناس قد أنفقوا الملايين وأحرقوا جبالاً من الأحلام.

لكن عندما يصل البعض لاكتشاف مهم فعلاً، فإن أحدًا لا يبالى به.. يقضون وقتهم بين مشاكل براءة الاختراع ووزارة البحث العلمى، وفى النهاية يقدمون كشفهم لشركة غربية تطير به فرحًا أو يموتون من الحسرة.

أكرر للمرة الألف: أنا لا أهاجم هذين الشابين، فلربما هما أفضل شيء حدث لمصر منذ هزيمة الهكسوس. أنا أطالب بدراسة الأمر بعناية..

استجابة لمقال سابق عن مشاكل التعليم فى مصر (أس البلاء) أرسل لى أحد الشباب هذا الخطاب الذى ألخصه هنا: « من منا راضٍ، وبكل أمانة، عن التعليم فى مصر؟ هل السبب فى الأشخاص؟ أم فى المحتوى؟ أم الحلول هى فقط تعديل مصطلحات أداء المنظومة التعليمية وكادر المعلم وإعادة طباعة الكتب بعد إضافة بعض الفقرات؟ من نحن؟ نحن مجموعة من الشباب قادرون على إصلاح التعليم فى مصر بإذن الله. كيف؟. هو ليس سحراً. تطوير التعليم علم يُدَرَس ويُستَعمَل فى الخارج، يطلق عليه (Instructional Design)، وله قواعد تُتبَع وأكثر من استراتيجية لتنفيذها، ونحن نقوم باستخدام استراتيجية الـ (ADDIE). وقد تم تدريبنا من قبل خبراء مصريين وأجانب على هذا العلم. أى نظام تعليمى يعتمد على العلاقة بين الطالب والمنهج والمدرس. نحن نقوم بإحياء المنهج وتوظيفه بما يتواءم مع متطلبات وإمكانيات الدارس والبيئة التى سوف يدرس بها، مثل (المدرسة والأجهزة أو المعامل المتاحة له). أى منهج لابد أن يخاطب الهدف من وراء تدريسه، وكيف سيستخدم الطالب هذا المنهج فى حياته العملية.بعد أن نضع ذلك عين الاعتبار نقوم بزرع المنهج كتجربة داخل الذاكرة طويلة الأمد لدى الطالب. ويتحول المنهج إلى تجربة عندما يتفاعل الطالب معه، وعندما يدهشه بطرق لم يكن يتعامل بها من قبل مع أى معلومة يتم دراستها. فالشعر على سبيل المثال يتحول من فنٍ راقٍ إلى لغة غير مفهومة باردة عندما يصبح ضمن المقرر الواجب دراسته. لكن مركز تطوير التعليم يضع الطالب فى جو الشعر عن طريق فيلم قصير أو قطعة موسيقية معينة. إذا تكلمنا عن العلوم الحيوية، فإنها تتحول من صور غير واضحة وشرح معتم إلى فيديوهات تشرح بالتفصيل كيف تتم العملية الهضمية على سبيل المثال، وتدريب تفاعلى على جهاز الكمبيوتر لكيفية تشريح ضفدع أو جزء بشرى مع الشرح، وقياساً على ذلك مختلف المواد العلمية. للعلم، هناك الكثير من طرق التعليم التى قد لا تحتاج إلى مدرس، بل من الممكن الاستغناء عن الفصل كليةً، ويصبح جهاز الحاسب الآلى فقط – تعليم الـ (Computer Based Training)- أو المتصل بالإنترنت – تعليم الـ (E-learning) - بيئة تعليمية متكاملة. وهو الاتجاه الذى تسير فيه نظم تدريبية فى الخارج ونحن قادرون على المضى فيه قدماً».

لا أريد أن أنشر تفاصيل أكثر حتى لا أقع فى شبهة الدعاية وتكون هذه شركة كمبيوتر أخرى تسوق للأقراص المدمجة التى تنتجها!. لكن صيغة الخطاب توحى بالجدية والرقى فعلاً. هم يسعون ـ كما قالوا ـ للتعاقد مع أى جهة أكاديمية أو تعليمية فى مصر كوزارة التربية والتعليم، أو وزارة التعليم العالى، أو جامعة زويل، أو الجامعة المصرية للتعليم الإلكترونى؛ لبناء تعليم فعال. عنوانهم عندى لمن يهمه الأمر.. من يدرى؟.. لربما كان فى مصر من يرغب فى تطوير التعليم فعلاً