قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, October 22, 2014

بين السوفالدى والكفتة



عرفت سيدة فى منتصف العمر كانت تعانى حالة غريبة فى كف يدها، فقد كانت تتورم ويصير لونها أخضر ويستمر هذا عدة ساعات، ثم تشفى الحالة تلقائيا. فقط لتتكرر بعد شهر. بالطبع قمت بعرضها على عدد كبير من أطباء الأوعية الدموية والعظام والأمراض الجلدية.. لا جدوى. لا يوجد تفسير لهذه الحالة العجيبة. لما سئمت السيدة كل هراء الأطباء ذهبت لشيخ – هكذا تصفه – فى قريتها فأعطاها بعض الأحجبة، والأهم أنه نصحها بألا تطلب رأى الأطباء ثانية لأنهم لا يعرفون شيئا ويسببون الأذى فحسب!... لم تشف السيدة على كل حال، لكن ما أثار غيظى هو أن الرجل لم يملك الحل، لكنه كذلك لا يريد للطب المعترف به أن يجرب أو يأخذ فرصته.

أتذكر هذا كلما قرأت الهجوم على العقار الجديد سوفوسبوفير (سوفالدى) الذى أنتجته شركة جيلياد، والذى احتل الصحف كعلاج فعال للفيروس الكبدى سى.

عندما جاء 30 يونيو من دون الإعلان عن نتائج علاج (الإيدز -الفيروس سى- ارتفاع ضغط الدم - الحصبة) الذى أعلن عنه اللواء عبد العاطى، والذى قالوا إنه سيزلزل الأرض تحت أقدام علماء الكون، وسوف (نزهل) الدنيا كلها كعادة المصريين، لم أكتب عن ذلك لأننى ببساطة كنت أعرف يقينا أن 30 يونيو سيأتى ويذهب دون أن يحدث شىء.. الموضوع منته بالنسبة لى وغير وارد بتاتا. قضمة واحدة من البيضة تنبئك بأنها فاسدة فلا حاجة لالتهامها كلها. قالوا لنا إننا سنتوارى خجلا ونبحث كالصراصير عن شق نختفى فيه بعد 30 يونيو، وبما أن شيئا من هذا لم يحدث، فإننى أدركت أنه لو كتبت لامتلأت سطورى شماتة وسخرية لدرجة غير موضوعية. كانت طلقة صوت داوية لا أكثر أريد بها تملق الجيش فآذته، والمشكلة هى أن أسماء علمية مشهورة وأطباء لهم احترامهم ورطوا أنفسهم فى هذه المهزلة، ورأينا طبيبة تؤكد أن العلاج الجديد يقلل ضغط الدم المرتفع ويعالج الإكزيما.. إلخ.. يبدو أن الرغبة فى النفاق والمصلحة الشخصية كانت أقوى من أى اعتبارات علمية. شعارهم هو: فليذهب المجتمع والعلم إلى الجحيم ما دام الكذب سيحقق لنا نفوذا وكسبا ماديا. رأينا المذيع الذى أكد أن المصريين خطفوا قائد الأسطول السادس الأمريكى ليضغطوا على أمريكا لتتراجع عن احتلال مصر أو شيء من هذا القبيل، وهى قصة أضحكت العالم كله علينا، مقابل نقاط يظن أنه أحرزها لدى القيادة. لا بأس.. من حقه أن يخرف إذا أراد، لكننا فى موضوع اختراع الكفتة نعبث باسم مصر وحقيقة البحث العلمى فيها، ونلعب بأحلام آلاف المرضى.

الآن عرف الناس الحقيقة. بعضهم ابتلعها بمرارة وبعضهم ما زال يجادل، والأظرف أن كثيرين يعتقدون أن عقار السوفالدى الجديد هو نفسه علاج الجيش الخاص بالكفتة. البعض يطالبنا بالانتظار حتى ديسمبر لتكون ستة أشهر أخرى قد مرت.

إن العناد يورث الكفر..لقد أدركنا بوضوح أن علاج الكفتة بلا جدوى. هنا جاء دور التشكيك فى عقار السوفالدى لإحداث بلبلة. لا يهم أن يرتبك المرضى ولا يعرفون إلى أين يذهبون.. المهم أن نصر على رأينا ونحتفظ بعنادنا. يقول أحد الأساتذة المرموقين الذين ارتبط اسمهم باختراع عبد العاطى: «إن جهاز سى فاست المستخدم فى تشخيص الفيروس سى ليس له مثيل فى العالم..». هل اختلفنا فى هذه النقطة؟ كل هجومنا ينصب على الجانب العلاجى فلماذا تقحم جانب التشخيص؟. يقول الأستاذ إنه مرتاب فى سرعة طرح العقار سوفالدى فى مصر خاصة أنه لم يجرب سوى على عدد محدود من النوع الجينى الرابع الموجود فى مصر. قال كذلك: «نظرا لأن القوات المسلحة شغوفة بعلاج المصريين من فيروس سى، فقد تم اختراع جهاز كومبليت كيور الذى لقى هجوما مسيّسا شديدا فلم يحاول أحد أن يطلع على حيثيات الاختراع، ولكن كان الهجوم من أجل الهجوم، فقط لزعزعة الثقة فى الجيش المصرى وعلمائنا الأجلاء وقدرتنا على اختراع مثل هذا الجهاز...........هناك من يريد أن يصم أذنيه عن سماع الحقيقة ليهاجم القوات المسلحة ويشكك الشعب المصرى فى جيشه العظيم............جاءت النتائج مبشرة دون حدوث أى آثار جانبية للمرضى من استخدام الجهاز، ونحن بانتظار إعلان الجيش عن خروج جهاز علاج فيروس سى «كومبليت كيور» للنور بداية عام 2015 المقبل». ما زال الرجل مصرا على أن علاج الكفتة فعال، لهذا سوف ننتظر حتى أول عام 2015.. بعدها يمكننا لو كنا أحياء أن نوجه له الاتهام بأنه تلاعب بعقول المصريين واستغل لقبه العلمى للترويج لخرافة. فى جريدة فيتو (العدد 138) يشكك عالم آخر هو د. محمد عبد الوهاب من جامعة المنصورة فى السوفالدى، ويقول العنوان: «سوفالدى كذبة كبرى تكلف مصر 20 مليار جنيه». عندما تقرأ المقال تكتشف أن العنوان درامي جدا ولم يقله الرجل بالضبط، لكنه يطرح عدة أسئلة ومخاوف علمية معقولة جدا، ويذكر أن العقار لا يشفى التليف الكبدى كما يعتقد البعض، ولا يصلح للمرضى فوق السبعين، وهذه حقائق كلها لكنها لا تجعل العقار كذبة.

يقول أساتذة الكبد الذين درسوا الموضوع جيدا: ما هو الخيار؟ أى علاج يبتعد عن عقار الانترفيرون الخطر يستحق التجرية. العلاج بالانترفيرون والريبافيرين يستغرق زمنا طويلا ونتيجته محدودة جدا، فهل تجرب طريقة الكفتة؟ أم تجرب العقار الجديد الذى نال موافقة الـ FDA ودراسات مطولة؟. وبما أنه لا يمكن استعماله وحده منعا لظهور سلالات مقاومة، فمن الممكن استخدامه مع الانترفيرون والريبافيرين لمدة ثلاثة أشهر، ويمكن استخدامه مع الريبافيرين لمدة ستة أشهر. لا شك أن وزارة الصحة حققت نصرا لا شك فيه بتوفير هذا العلاج بسعر رخيص نسبيا.. الكبسولة الواحدة ثمنها فى الخارج 1000 دولار والمريض يحتاج لثلاثة أشهر على الأقل، فاستطاعت الوزارة توفيره ليكون ثمن العلبة التى تكفي شهرا 2200 جنيه مصرى. العدد المستهدف فى خطة العلاج القادمة هو 60,000 إلى 70,000 مريض. لاحظ أن اوروبا عاجزة عن استخدامه بسبب سعره الباهظ. هناك بدائل أخرى تظهر كل يوم ومنها عقار الهارفونى المكون من السوفسبوفير مع الليدباسفير.

المؤامرات موجودة بلا شك وهذه الشركات لا تتعامل إلا بالأسهم وآليات السوق، لكننا نملك وسيلة للتحقق هى المراجع والدوريات العلمية المحترمة بدلا من كلام المصاطب. لقد بزغت شمس وانفتحت نافذة أمل لآلاف التعساء الذين دمر الفيروس سي حياتهم، ولا يمكن التعامل مع كل شيء بنظرية المؤامرة وألاعيب شركات الدواء كما هى العادة.. تذكر الطبيب أندرو ويكفيلد الذى قال إن لقاح MMR خطر ولا لزوم له سوى ثراء شركات الأدوية، وكانت النتيجة هى عودة الحصبة والتهاب الغدة النكفية بشكل وبائى قاتل إلى انجلترا. ارحموا المرضى الذين كلما تحسسوا بابا فى الظلام وجدوا من يقول لهم إنه يقود لهاوية. فلنملك مرة واحدة شجاعة أن نعترف بالخطأ