قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, November 10, 2014

هافّا ناجيــلا !



هافا ناجيلا أغنية شعبية إسرائيلية معناها (هيا نبتهج). تم تأليفها عام 1920 على لحن أوكرانى مرح قصير يسهل حفظه، ولو بحثت عنها لوجدت أن كل المطربيين الغربيين –بمن فيهم داليدا ابنة شبرا– غنوها مجاملة لإسرائيل. هذا اللحن يمثل احتفال اليهود بأنهم صاروا قادرين على استعمال اللغة العبرية، بعد ما أفنوا القرون يتكلمون العربية ولغة الييديش. هو إذن يمثل فرحة اليهود بعد انتصار البريطانيين فى الحرب ووطنهم القومى الذى منحه إياهم وعد بلفور اللعين فى 2 نوفمبر عام 1917. حفظناه جميعا فى المدرسة باعتباره وعد من لا يملك لمن لا يستحق. ونصه كما نعرف هو أن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين الرضا إلى تأسيس وطن قومى لليهود فى فلسطين، ولسوف تفعل أفضل ما تستطيع لتسهل تحقيق هذا الهدف. بالفعل هو وعد من لا يملك لمن لايستحق، لكن أين دور أصحاب الشيء الأصلى؟ لو وعدتك بأن تملك إيتاى البارود غدا، فأنا لا أملكها وأنت بالتأكيد لا تستحقها، لكن هل يتركنا أهل إيتاى البارود ننفذ هذا الاتفاق؟

هافا ناجيلا فعلا أيها اليهود.. فقد كانت حياتكم فى المنطقة سلسلة من الانتصارات، فلم يُهدد وجودكم سوى مرات معدودة منها بالطبع حرب 1973 ومنها صواريخ حزب الله وحماس. من حقكم أن تحتفلوا بأنفسكم مع كل ضعف العرب وتشتتهم وخيانتهم. وكما قال نزار قباني: لم يدخل اليهود من حدودنا.. لكن تسللوا كالنمل من عيوبنا.

هافا ناجيلا أيها اليهود.. ابتهجوا واحتفلوا، فقد وعد بلفور وأوفى برغم أن اطرافا بريطانية عدة لم تتحمس لوعده – ومنهم ونستون تشرشل نفسه – لكن سياسة الأمر الواقع انتصرت، ووجد العالم الغربى أنه زرع فى المنطقة دولة قوية عسكرية يمكنها حماية مصالحه.

هافا نيرانيناه.. يعنى (دعونا نغنّ).. أورو أورو أخيم يعنى (انهضوا.. انهضوا ).. لماذا لا تحتفلون وأنتم مزرعون فى المنطقة منذ نحو قرن، ولم تكن هناك محاولة جادة واحدة لاستئصالكم؟. كل الأنظمة الدكتاتورية قالت (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) وسحقت شعوبها وأخرستهم، وملأت شاشات التلفزيون بالاستعراضات العسكرية التى يمشى فيها الرجال الأشداء المدججون بالسلاح، وفى النهاية لم تطلق طلقة واحدة على إسرائيل إلا فى حالات نادرة. صدام حسين يرحمه الله حارب إسرائيل بطريقة فريدة هى أن غزا الكويت والتحم فى حرب أنهكت قواه مع إيران، وفى النهاية شُنق.

هافا ناجيلا.. معكم حق.. مع كل التنظيمات المتطرفة التى تمثل رجالا ملثمين مدججين بالسلاح، يتكلمون عن الجهاد ونصرة القدس، ثم لا يفعلون سوى قتل بعضهم، من أول القاعدة حتى داعش.. القاعدة برغم كل هذه الضوضاء لم تطلق طلقة واحدة على إسرائيل ولم تغتل جنديا إسرائيليا واحدا. وداعش لن تمس إسرائيل بسوء بالرغم من قرب حدودها منها. وجو الصراعات الفلسطيني–الفلسطينى الذى لم يتوقف لحظة، ثم الصراع بين فتح وحماس. يحكى هيكل عن اغتيال القائد الفسطينى عصام السرطاوى فى لشبونة يوم 10 إبريل عام 1983. أدانته التنظيمات الفتحوية واتهمته بالتخابر مع اسرائيل، وأطلقوا عليه الرصاص وهو خارج من الفندق.. الطريف أنهم قتلوه هو بينما يمشى جواره السفاح بيريز. لم تصوب طلقة واحدة على الأخير.

هافا نيرانيناه... كيف لا تغنون أيها الإسرائيليون بينما محاولات اقتحام المسجد الأقصى تتكرر؟، ومن الواضح تماما أننا سنفقده. المستوطنون المتعصبون بطواقيهم وزناراتهم المجدولة على جانبى الرأس ينشدون أغانى توراتية، والشرطة الإسرائيلية تطلق الرصاص على الحرم وداخله. الفلسطينيون يقاومون ببسالة لكن العالم العربى كله –ربما باستثناء رد فعل قوى نوعا من الأردن– قد فقد اهتمامه بالقضية.. لا أحد يلاحظ... حالة شديدة من الملل واللامبالاة تنذر فعلا بتآكل القضية. ولو هدمت إسرائيل المسجد الأقصى فلسوف تخرج بعض المظاهرات هنا وهناك مع بعض الشجب، ويكتب الشعراء قصائد جميلة فعلا. الحقيقة أن معظم الحكومات العربية لا يهتم بالمسجد الأقصى إلا كوسيلة لتحريك عواطف الجماهير عند الحاجة.

هافا ناجيلا.. والعالم العربى كله مشغول بالصراع والحروب الأهلية، ومصر فى دائرة (أنت خادم البيادة – بل أنت عبد المرشد).. دائرة (القمع بلغ حدا غير مسبوق كأننا فى كوريا الشمالية – لابد من اليد الحديدية لتكون هناك دولة أولا ثم نختلف ونتشاجر). داعش تبتلع العراق وسوريا.. الأسد لا يملك سلطة إلا على شارعهم.. ليبيا ساحة لتجربة الأسلحة.. إن إسرائيل فى أفضل حالاتها الأمنية حاليا بينما العالم العربى الذى كان يقلقها نوعا يتفتت.

هافا ناجيلا.. هيا احتفلوا أيها الإسرائيليون.. إن الحوادث تقضى على المصريين بنشاط غير مسبوق. المصريون يدمرون أنفسهم بكفاءة أكثر من أى جيش معاد. هناك سلاح سرى جديد اسمه الاستهتار واسمه المخدرات. قلت فى مقال قديم إننى أعتقد أن كل جريمة فى مصر تتم اليوم تحت تأثير المخدرات أو طلبا لثمنها.. كل حادث.. كل إهمال.. كل اغتصاب.. كل سرقة.. كل مشاجرة.. كانت الأرقام وقتها تقول إن بين كل مئة شاب هناك 16 يجربون المخدرات، وهناك 4 من هؤلاء يدمنون. عدد مدمنى الهيرويين فى مصر يتراوح من 20 ألفا إلى 30 ألفا. حجم تجارة المواد المخدرة بلغ نحو 18.2 مليار جنيه فى عام واحد. ما يتم إنفاقه على المواد المخدرة تصل نسبته إلى نحو 79.5 فى المائة من دخل قناة السويس، و32.8 فى المائة من عائدات الصادرات المصرية و41.3 فى المائة من عائد السياحة و46.9 فى المائة من تحويلات المصريين بالخارج. معنى هذا أننا ننفق على المزاج العالى كل دخل قناة السويس تقريبا ونصف ما يأتى من السياحة. كما عرفنا فإن مصر تحتل رقم واحد فى الترتيب العالمى لحوادث الطرق بـ 13 ألف قتيل و40 ألف مصاب، وأن تلك الحوادث تكلف البلد 17 مليار جنيه.

هافا نيرانيناه.. غنوا.. لماذا لا تغنون وأنتم سعيدو الحظ لهذه الدرجة؟. ما أعرفه هو أن علينا أن نبقى جذوة الكراهية متأججة ونربي جيلا جديدا خاليا من عيوبنا، ونحاول عبور الفجوة الحضارية التى تكلم عنها الراحل أحمد بهاء الدين منذ أربعين عاما!... ربما بعد أعوام تكفون عن الابتهاج قليلا!