قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, November 25, 2014

داخل الدائرة



فى قصة دراكيولا مصاص الدماء لبرام ستوكر، يحتمى د. فان هلسنج مع الفتاة البريئة مينا داخل دائرة من الماء المقدس ليمضيا ليلتهما فى الخلاء، بينما مصاصات الدماء حمراوات العيون يحمن حولهما عاجزات عن اقتحام الدائرة. مع مرور الوقت يتوتر البروفسور.. إن مينا تتغير وقد بدأت تزوم وعيناها تحمران.. هذا معناه أن لعنة مصاص الدماء أصابتها، ومعناه أن ظهره ليس آمنا.. فى الواقع هو حبيس مع مشروع مصاص دماء داخل الدائرة.

تذكرت هذا عندما عرفت أن تنظيم أنصار بيت المقدس أعلن أنه ينتمى لداعش، وأطلق على سيناء اسم (ولاية سيناء) وهو اسم أرجو ألا تستعمله وسائل الإعلام ثانية؛ لأنه يزرع هذا المعنى فى الأذهان فعلا، وقد يثير أفكارا انفصالية لدى الغرب. هذا يشبه رواية ستوكر كثيرا، فأنت مهتم بحماية حدودك ثم تكتشف أن الخطر قد يكون معك.

يذكرنى هذا كذلك بلعبة الشطرنج.. عندما يتقدم جندى صغير بلا أهمية وسط صفوفك حتى يبلغ صفك الأول، ثم تتم ترقيته لوزير ليصير خطرا داهما عليك.

الحقيقة أن داعش هى الإيبولا الجديد الخاص بالعالم العربى، وكل ما يتعلق بها غريب مريب، مع هذا النجاح الساحق السريع، مما يجعل من كل حروبها انتصارات تقريبا، مع الزعم الساذج بأن كل طيران التحالف وقوته عاجزان عن قهر هذه الميليشيات. لاحظ أن أحدا لم يسمع عنها قط قبل مايو 2014، وقد سمعت فى يونيو طبيبا مثقفا يقول: (تنظيم أبو بكر داعش)!!

فجأة زحفتْ داعش لاهتمام الناس، وغطت على تنظيم القاعدة الذى عفا عليه الزمن وغطته العناكب فى كهوف أفغانستان. لا توجد صفحة أولى من أى جريدة غربية لا تحمل اسم ISIS وهو الاسم الغربى لها. ثم بدأت تتجه إلى الإعلام وتغزوه بنجاح لا شك فيه. ومع الوقت تحولت العمليات الإرهابية أو ذبح الأبرياء المقيدين إلى نوع من الفن الشنيع.

هناك فيلم يظهر مجموعة من داعش يمشى كل واحد منهم مع جندى سوري مكلف بذبحه، وبالسرعة البطيئة يتقدمون مع ذلك التأثير السينمائي الذى لا أعرف كيف أصفه لكنه يوحى لك بأن الرجل أكبر من الواقع ترتج الأرض من تحته، وبكل صرامة وجدية – كأنهم يحررون القدس– ينتقى كل منهم سكينا وهو يمسك بقذال ضحيته، ثم يبتعد ليأتى واحد بعده.. المشهد كله يمكن تسميته (باليه الذبح). هناك فيلم يظهر مجموعة من فرنسيى داعش يحرقون جوازات سفرهم مع دعوة تقول (ماذا تنتظر؟) مطالبين كل مسلم فى فرنسا أن يلحق بهم وإلا فعليه أن يرهب الفرنسيين فى ديارهم. دعك من فيلم العملية الإرهابية البشعة التى قتلت نحو ثلاثين من أبنائنا فى سيناء، والكاميرا تظهر أنصار بيت المقدس يأخذون وقتهم تماما، ويقتلون الأسرى والجرحى الذين منهم أخوك وابن عمك وصديق دراستك.. ويصعدون فوق الدبابة لالتقاط الصور ويكدسون السلاح. صحيح أن هذا يتم بعيدا عن داعش سوريا، لكن المبدأ واحد والفكر واحد. قيل إن بين صفوف داعش مخرجا سينمائيا إيطاليا وأنا أصدق هذا.

يؤكدون أن داعش أغنى من دول عربية كثيرة بفضل تصدير نفط العراق، أرسل لى صديق منشورا وزعته داعش على جامعات ومعاهد الموصل، عليه شعار ديوان التعليم، وينص على إلغاء الكليات والمواد غير الشرعية كما سماها؛ وهى كلية الآثار والعلوم السياسية والفنون الجميلة، والتربية الرياضية وقسم الفلسفة والفندقة. كما تُلغى مواد الديمقراطية والحريات والرواية الإنجليزية والترجمة، وعدم وضع أسئلة خاصة بالفوائد الربوية أو مبادئ الوطنية أو التقسيمات الجغرافية. مع مراعاة الضوابط الشرعية مثل عزل الذكور عن الإناث، وشطب كلمة الجمهورية العراقية لتستبدل بها الدولة الإسلامية. أهم شيء أن المخالف ستتوجب عليه المحاسبة.. طبعا لن تكون المحاسبة خصم يومين على ما أعتقد!

داعش لغز حقيقى، وكل الدلائل تؤكد أنها أداة لتشكيل الشرق الأوسط الجديد، وأن هناك من يدعمها بقوة فى الجانب الغربى وبالتأكيد العربى. أضف لهذا أنها هدية لقوى الأمن العربية كفزاعة جديدة تتيح المزيد من الدكتاتورية، النتيجة هى أن داعش دمرت سمعة الإسلام تماما، فقد ارتبط بالذبح والقسوة فى أذهان الغربيين لجيل كامل، ولا شك أن ارتباطا شرطيا من التوجس ولد لدى كثيرين عند رؤية العلم الأسود الذى كتب عليه (لا إله إلا الله). قاعدة الهرم تتكون من شباب متحمس يحسب أن هذا هو الإسلام الصحيح وحلم دولة الخلافة، بينما فى قمة الهرم يعرفون ما يفعلون جيدا.

نحن كذلك نزرع بلا شك أرضية صالحة ممتازة للبذور الداعشية:

1- سنوات من التطرف وزرع فكرة (نحن ضد العالم). لن أنسى منذ 15 عاما أننى رأيت على قناة اقرأ درسا دينيا يجلس فيه شيخ مع شباب متحمسين، يحكى لهم كيف ذبح أحد المسلمين عدوه وكيف راح يتشحط فى دمه.. وراح يستخدم حرف الحاء فى (ذبح) بتلذذ ويكررها.. ذبححححححححح ! فينفجر الشباب ضحكا وبشرا ورضا ويكبرون..... ربع ساعة من الاستمتاع المتواصل بوصف مشهد الذبح. جعلوا هذا يتراكم ثلاثين عاما ثم يتساءلون من أين جاء العنف!!. لهذا يلقى خطاب داعش الكثيرين من الموافقين والمتحمسين. مؤخرا أعلن شيخ جزائرى مهم تأييده لداعش ورمى من يخالف ذلك بأنه من المرجئة والجهمية!!

2- هناك أرض خصبة زرعت فى الأعوام الماضية، وهذه الأرض معدة لاستقبال بذور التطرف بسبب الافتقار إلى العدل والمرارة، مع دائرة العنف والعنف المضاد. هناك (إعلامي) دعا السيسى بصراحة على الهواء إلى قتل مليون مصرى يوم 28 نوفمبر القادم، وهناك من طالب السيسى بأن يكون فاشيا بشدة. دعك من الحرب التى شنوها على خالد أبو النجا لأنه تجاسر على قول رأيه، والسعار الوقح ضد بلال فضل. على الجانب الآخر اتصل شخص ذو لكنة شامية بشعبان عبد الرحيم وتوعده بالذبح بسبب أغنيته الأخيرة: «يا أبو بكر يا بغدادى يا أمير المجرمين.. شكلك غشيم وفاضى، ومعاك حبة مجانين».

3- لا تنس كذلك جاذبية ألعاب الأكشن تلك.. ميليشيات وتفجيرات وحرب عصابات. كل هذا أكثر إمتاعا بالتأكيد من البناء والتعلم والعمل. والناس لا يمكن التنبؤ بسلوكها.. منذ أعوام كانوا يترنمون بحب الإخوان وشعار الإسلام هو الحل.. فجأة صاروا يلاحقون الإخوان ويبلغون عنهم.. لا أضمن أن يتغير المزاج العام ليصير داعشيا فجأة (أصلهم حيرجعوا دولة الخلافة)..

داعش هى إيبولا العالم العربى. وعلينا أن نتكاتف وننسى خلافاتنا لمواجهتها. وعلينا كذلك أن نحاذر حتى لا يتحول من حولنا إلى مصاصى دماء بينما نحسب أن الدائرة تحمينا.