قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, December 29, 2014

غيبوية - 2



ثمة كتاب رائع صدر عن المجلس الأعلى للثقافة منذ سبعة أعوام كاملة، وقد اعتدت أن أرجع له كل بضعة أشهر حتى لا أنسى محتواه.

الكتاب اسمه (المغالطات المنطقية: طبيعتنا الثانية وخبزنا اليومي) وكتبه د. عادل مصطفى. د. عادل طبيب نفسى حائز على جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الاجتماعية (الفلسفة المعاصرة) عام 2005، وجائزة أندريه لالاند فى الفلسفة وله مؤلفات عديدة، وقد قمت بتلخيص هذا الكتاب القيم مؤخرا فى أربع مقالات لموقع هنداوى على النت، لكن استوقفتنى بعض المغالطات التى تكلم عنها وقتها، فشعرت أنه يتكلم عن مصر هنا والآن... أعتقد أننا لو استرجعنا هذه المغالطات لعرفنا الكثير عن أنفسنا، ولفهمنا لماذا تزداد الأمور سوءا، ولماذا ندور فى نفس الحلقة المفرغة للأبد.

يقول المؤلف فى بداية الكتاب إنه لا يكفى أن تخبر المرء أنه أخطأ، بل يجب كذلك أن تشرح له هذا الخطأ. الانسياق وراء رأى الجماهير خطأ شائع ولا يدل على الحق. يوصينا المؤلف أن نفكر بأنفسنا وألا نصدق كل ما نسمع ونصف ما نرى.. لا يجب أن تصير أمانينا معيارا للحق.. الكلام الجميل المنمق ليس برهانا ولا يدل على شيء إلا براعة صاحبه اللغوية.. عليك أن تستعد للتخلى عن رأيك لو تبين خطؤك.. هذه نصيحة لى وللجميع، لأننى بعد 52 سنة لم أر أى شخص يغير رأيه لأنه تبين الصواب فى رأى آخر.
  • أول مغالطة نمارسها بكثرة هى المصادرة على المطلوب. تستعمل طريقة المصادرة على المطلوب كثيرا فى القضايا الأيدلوجية والأخلاقية، مع استخدام ألفاظ فخمة فى المقدمات. هناك حتمية إجبارية أو (ينبغية) Oughtness فى المقدمات لكنها متوارية خلف الكلمات، منذ سنوات عديدة فى طنطا، أذكر أن أحد المرشحين لانتخابات البرلمان كان متهما من العامة بأنه يزرع البانجو، فكان أن طبع ملصقا وزعه فى كل مكان يقول: أنا لا أزرع البانجو لأن زرع البانجو محرم قانونا. لا يوجد منطق لهذه العبارة ولا معنى، فكثير من الناس يخالفون القانون، لكنها بدت للناس مقنعة جدا
  • المغالطة الثانية هى مغالطة المنشأ: الإنسان مولع بمعرفة مصدر الحجة، فإذا جاءت من مصدر يمقته، رفض الحجة وكأنه يقول: فلتذهب هذه الآراء للجحيم بمن قالوها. بينما الحجج يجب أن تقف على أرجلها الخاصة لا على قائليها
  • المغالطة الثالثة هى تجاهل المطلوب: هنا يتجاهل المرء ما يجب أن يبرهن عليه ليبرهن على شيء آخر. هناك برنامج لمعالجة الأمية.. يقف صاحب البرنامج ليتحدث عن الأمية وخطرها، بينما لم يشرح لنا لماذا نختار برنامجه بالذات!. يقف وكيل النيابة يتكلم عن بشاعة الجريمة بينما لا يقدم أى دليل على أن المحبوس وراء القضبان هو الذى فعلها.
  • المغالطة الرابعة هى الحجة الشخصية وهى قريبة من مغالطة المنشأ: فى هذه الطريقة الخبيثة لا تفند قول خصمك بل تتكلم عن شخصه، بينما الحقيقة هى الحقيقة سواء كان قائلها معتوها أو عدوا أو كافرا. أحيانا تقول شيئا مهما كتب عنه هذا الكاتب او ذلك، فيعترض شخص آخر صائحا: ده راجل مش نضيف . ضمن هذه المغالطة طريقة (أنت أيضا تفعل ذلك). كأن الخطأ يبرر الخطأ، والأمثلة كثيرة: هناك فساد فى العالم كله فما المشكلة فى أن يكون عندنا فساد؟. أمريكا تعذب السجناء فى جوانتانامو فما المشكلة أن يكون عندنا تعذيب؟. عندما تنتصر اسحق خصمك فهو كان سيفعل الشيء ذاته لو انتصر.
  • المغالطة الخامسة هى الاحتكام إلى العامة: التاريخ يعلمنا أن أفكار الكثرة كثيرا ما تكون خاطئة. وهناك من يرى إن إجماع الناس على رأى هو دليل على خطئه !.. كل الجنوب الأمريكى كان يؤمن بأن العبودية ضرورية.. ملايين البشر كانوا يؤمنون أن الأرض مركز الكون. الطريف أن مثقفينا كانوا يتحدثون عن عدالة صناديق الانتخابات والديمقراطية، ثم انقلب منطقهم 180 درجة وراحوا يقولون إن الصناديق لا تعنى شيئا، وهى التى جاءت بهتلر من قبل. أى أنهم كانوا يمارسون هذه المغالطة عندما ناسبت مصالحهم ثم انقلبوا عليها عندما خالفت مصالحهم. هناك نوع من هذه المغالطة اسمه (التلويح بالعلم): عندما ينهزم منطقك عليك أن تهتف بشعارات وطنية أو دينية لتفرض رأيك. وكما يقول صمويل جونسون: الوطنية هى آخر ملاجئ الأوغاد.
  • المغالطة السادسة هى الاحتكام للقوة: فى هذه المغالطة المنطقية تصنع القوة الحق. كما يقول أبو العلاء المعري:
    دعوا باطلا وجلوا صارما.. وقالوا صدقنا فقلنا نعم
    أى أنهم قالوا كلاما فارغا ثم لوحوا بالسيف فاقتنعنا نحن !!
    لقد تخلى جاليليو عن نظرياته خشية الحرق، لكن الأرض ظلت تدور حول الشمس ولم تتغير الحقيقة.
  • المغالطة السادسة هى الإحراج الزائف: أو ما يسمونه التفكير ثنائى القطبية . أشهر مثال له هو إما أن تكون معنا أو ضدنا . هذه المغالطة تلغى الحل الثالث تماما. نحن على صواب.. إذن الآخرون على خطأ. نحن مقابل هم !. هكذا تولد العنصرية والقبلية والفاشية.
  • المغالطة السابعة هى التفكير التشبيهي: من ضمن التفكير التشبيهى مقولة لينين: لكى تصنع العجة لابد من كسر البيض. أى أنك يجب أن تستأصل وتكون فاشيا وتسحق المعارضة، فهذه مرحلة شديدة الخصوصية يجب أن تكون فيها قاتلا أو مقتولا. غير أن المؤلف يقول إن هذه المرحلة لا تكون عابرة بل تظل مقيمة للأبد !.. مع الوقت يصير خنق المعارضة عادة وهدفا فى حد ذاته. وكلما فشلت الأهداف المثالية البعيدة قيل إن هناك خيانة أو تدخلا أجنبيا.
  • المغالطة الثامنة هى الذنب بالتداعي: عندما تكره أناسا فأنت تكره ما يحبون. الدعوى تصير كاذبة لمجرد أنهم يعتنقونها. كانت المكارثية تمارس هذا الخطأ كثيرا. مارتن لوثر كينج كان يدافع عن الحقوق المدنية، وبما أن الشيوعيين غالبا يدافعون عن الحقوق المدنية، فلابد أن لوثر شيوعى. هتلر كان نباتيا.. إذن لا تكن نباتيا أبدا.
  • المغالطة الثامنة هى الاحتكام إلى الجهل: أى أن الشيء حقيقى ما لم يبرهن أحد على أنه باطل..يصير غياب الدليل هو الدليل. أو كل ما لا يمكن نفيه هو حق. كان مكارثى يتهم الناس بالشيوعية معتمدا على أنه ليس لديه دليل ينفى تهمة الشيوعية عنهم!..
  • المغالطة التاسعة هى البروكرستية: سرير قاطع الطريق بروكرستيز لا يناسب طول النائم فيه، لذا يمطّ جسد النائم أو يقطع قدميه ليتلاءم مع السرير. هنا أنت تفرض رأيك الخاص وتحاول قولبة الأمور عليه. يمكن لجهاز مخابرات أن يثبت العمالة على أى شخص بالبروكرستية. سماسرة تجارة الإعجاز العلمى فى القرآن يلوون الآيات بالبروكرستية. الساسة عندما يفرضون التجانس على الناس بالقوة يمارسون البروكرستية.
ألا ترى معى أن هذا الكتاب صالح جدا لحالنا بعد الثورة؟. تذكر أن هذه قشرة ضئيلة جدا من محتواه الثرى