قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, December 24, 2014

لينون والمرشح المنشورى - 2



أذكرك مرة أخرى أن مصطلح المرشح المنشوري هو الشخص الذي تدسه المخابرات ليقوم بعملية قتل وهو لا يعي ما يفعله.

ديفيد تشابمان. الشاب الأمريكي الذي ولد عام 1955 لم يحب في حياته إلا شيئين: جون لينون، ورواية (الصياد في الجاودار) التي لم يكف عن قراءتها منذ كان صبيًا وحتى لحظة الاغتيال. هو ابن ضابط في الطيران وممرضة. نشأته تقليدية جدًا، وإن تميزت بقسوة أبيه نحوه، وبتحرش الأطفال في المدرسة به لأنه لا يجيد الألعاب الرياضية. وفي العام 1971 ظهرت ميوله الدينية الواضحة وصار ممن (ولدوا ثانية)، وعمل في الـYMCA رابطة الشباب المسيحي. وفي العام 1979 تزوج واستقر في هاواي، وعمل كموظف أمن ليلي، وهنا بدأ يظهر اضطرابًا نفسيًا وميلاً لاحتساء الخمر. وفكر مرارًا في الانتحار وثبًا من فوق تمثال الحرية.

ثم جاء اليوم الذي تحرك فيه نحو نيويورك عازمًا على قتل جون لينون. قال: إنه كان يفكر في قائمة مشاهير أطول، منها جاكلين أوناسيس وجوني كارسون. ثم وجد أن لينون هو الأسهل وأقرب منالاً.

يوم الجريمة - الثامن من سبتمبر عام 1980 - غادر الفندق الذي أقام فيه في نيويورك، وكالعادة كانت هناك نسخة من رواية (الصياد في الجاودار The catcher in the rye) في غرفته. ذهب لفندق داكوتا حيث يقيم جون لينون، وراح يراقب لمدة ثلاثة أيام. في الخامسة عصر يوم الوفاة رأى لينون وزوجته اليابانية يخرجان ليستقلا سيارة أجرة، فاستوقفه ليصافحه ويطلب توقيعه على ألبوم له (هذه الصورة ما زالت موجودة وسوف تجدها بجوجل). في العاشرة مساء عاد لينون للفندق ودخل إلى المدخل. هنا أطلق تشابمان خمس طلقات على ظهره اخترقت أربع منها هدفها. نقلوه لمستشفى روزفلت لكنه وصل ميتًا بالطبع بعد ما تمزقت رئته وقلبه. عندما أعلنت المستشفى نبأ الوفاة قامت السماعات بإذاعة أغنية (تخيل) في لمسة فنية عجيبة!

عندما وصل رجال الشرطة كان تشابمان منهمكًا في قراءة (الصياد في الجاودار)، ولم يبد أي مقاومة. فيما بعد فحصه الكثير من الأطباء النفسيين وكان رأيهم أنه يرى هلاوس لكنه قابل للمحاكمة، فهو ليس مجنونًا. حكم القاضي عليه بالسجن عشرين عامًا مع العلاج النفسي، وكان سبب تخفيف الحكم عن المؤبد هو أنه اعترف بأنه مذنب، وبالتالي وفر على الدولة جهدًا ومالاً. المشكلة أن خروجه من السجن سوف يشكل خطرًا على حياته لأن الكثيرين من عشاق لينون يبغون الانتقام. عامة كان سجنه هادئًا بلا مشاكل فيما عدا إضرابه عن الطعام بعض الوقت.

هل كان سبب الاغتيال دينيًا؟ ربما كان كذلك لأن جون لينون أغضب تشابمان عندما قال "تخيل لو أنه لا توجد أديان". وفي مرة أخرى قال أعضاء البيتلز: إنهم أكثر شعبية وشهرة من المسيح نفسه. كذلك شعر تشابمان أن لينون يخدعه. فهو يقول: "تخيل ألا توجد ملكية فردية" بينما هو يملك الملايين واليخوت والضياع.

هل كان سبب الاغتيال هو الخلل النفسي ببساطة؟. ربما أراد تشابمان سبيلاً للشهرة، وهو ما يذكرنا بمحاولة اغتيال الرئيس ريجان، التي اعترف هنكلي مرتكبها بأنه أراد لفت نظر الممثلة الحسناء جودي فوستر، ليذكرها بما فعله روبرت دي نيرو في فيلمها (سائق التاكسي).

نظريات المؤامرة ظهرت بكثافة، ولسوف تجد دستة مواقع على الانترنت تتكلم عن مؤامرة المخابرات المركزية للخلاص من لينون. هناك قصة ستريبس تظهر ريجان يعطي أمرًا مباشرًا بقتله. قيل إن تشابمان مرشح منشوري كلف بارتكاب جريمة لا يعلم عنها شيئًا. هناك فعلاً برنامج لدى المخابرات المركزية اسمه MKUltra يمارس هذه التقنيات. قالوا كذلك إن الرصاص الذي مزق لينون لم يطلقه تشابمان، وهي دائرة اغتيال كنيدي الشهيرة!

هل لرواية (الصياد في الجاودار) تأثير سلبي على العقول؟ لابد من استبعاد هذه النقطة لأنها رواية ناجحة جدًا وشهيرة. يجب تذكر أن من حاول اغتيال ريجان اعترف فيما بعد بأنه كان يهوى نفس القصة.

القصة في رأيي نموذج مؤسف للاضطراب النفسي، والحب الذي يجعلك تسحق الشيء الذي تحبه بشدة. كان لينون في الأربعين من عمره وقتها، وتلك أخصب سنوات عمره، فلا يمكن معرفة الألحان الرائعة التي كان سيقدمها في السنوات الثلاثين التالية لو عاش إلى 2010، لكن نهايته الدرامية قد أعطت لحياته معنى ملحميًا يصعب نسيانه على كل حال.