قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, December 8, 2014

ألعاب المنطق - 3


نستكمل اليوم كتاب عادل مصطفى عن المُغالَطات المنطقيَّة، وكما قلتُ، فهذا مُلخَّصٌ غير وافٍ أبدًا لا يُغنيك عن الكتاب الرائع نفسه. المغالطة التالية هي:

الاحتكام للقوة: الفكر لا يكون إلا حرًّا. إن الحرية للفكر هي الكينونة ذاتها، وإلَّا فهو ليس فكرًا، بل هو تكرارٌ لآراء الآخرين. في هذه المُغالَطة المنطقية تصنع القوةُ الحقَّ؛ مثلًا: «إذا أردتَ الاحتفاظ بوظيفتك، فعليك أن توافق على سياسة الشركة الجديدة.» كما يقول أبو العلاء المعري:
دَعَوا باطلًا وجَلَوْا صارمًا وقالوا: صَدَقْنا؟ فقُلنا: نعم
أي إنهم قالوا كلامًا فارغًا ثم لوَّحوا بالسيف، فاقتنعنا نحن!


لقد تخلَّى جاليليو عن نظرياته خشية الحرق، لكن الأرض ظلَّت تدور حول الشمس ولم تتغيَّر الحقيقة. هناك أمثلة أخرى قد يكون فيها التهديد منطقيًّا؛ لأنه ناجم عن السببية الواضحة؛ مثال: «إن لم تذاكر جيدًا فلسوف ترسب.»

الاحتكام للنتائج: هنا تكفي النتيجة الإيجابية أو السلبية وحدها لتبرير المنطق. وهذا خطأ؛ مثلًا: «الأطفال يحبون بابا نويل» … إذن هو موجود. مثال آخر: «لا بد أن العالم يدور حول الأرض، وليس العكس، وإلَّا كان معنى هذا أن الإنسان تافه.»

الألفاظ المُفخَّخة: هنا يتحدث عمَّا يُسمَّى بالوظيفة الإيعازية للُّغة التي تكلَّم عنها جون أوستن. أفعال كلامية تُحدِث في نفس المُتلقِّي إقناعًا أو خشيةً أو رَهبًا أو سخطًا؛ مثلًا: عندما تستعمل لفظة «بهيمة» بدلًا من لفظة «حيوان»، أو لفظة «رشوة» بدلًا من لفظة «حافز»؛ فأنت تتخلَّى عن الحياد العلمي وتُحرِّض وتحكم. استبدِلْ بكلمة «بدائي» لفظة «همجي»، أو استبدل بلفظة «بسيط» لفظة «ساذج»، ولسوف يُصدِر كلامُك حُكْمًا أخلاقيًّا؛ مثلًا: «يدَّعي السيد نبيل أن الأسهم سترتفع.» كلمة «يدَّعي» حسمت القضية. أو: «كل عاقل في البلد يعرف أن هذه الإجراءات ظالمة.» عندما ذكرتَ لفظة «عاقل» فقد صادرت على رأي المستمع.

المنحدر الزَّلق: هنا تفترض حشدًا من النتائج نتيجة فعل بسيط؛ مثال: «إذا استثنيتُك أنت في القرار فسيكون عليَّ أن أستثني الجميع.» أو: «هذا الآيس كريم سوف يؤدِّي لزيادة وزنك … هذا بالتالي سوف يؤدِّي لسلسلة أعراض تنتهي بالنوبة القلبية … إذن الآيس كريم يُسبِّب النوبات القلبية.»

الإحراج الزائف: أو ما يسمونه «التفكير ثنائي القطبية». أشهر مثال له هو: «إمَّا أن تكون معنا أو ضدنا.» هذه المغالطة تلغي الحل الثالث تمامًا … مثلًا: «إما أن تخوض معنا هذه الحرب وإلَّا فأنت خائن.» أو: «يجب تسريح نصف الموظفين أو تُفلس الدولة في العام القادم.» هذه المغالطة هي سبب الشعور بالتفوق العِرْقي والقَبَليَّة: نحن على صواب … إذن الآخرون على خطأ. نحن مقابل هم! قد تكون هذه المغالطة منطقية عندما لا يكون هناك سوى خيارَيْن فعلًا: «إمَّا أن سليمان ميت أو هو حي.» معنى أنه ليس ميتًا هو بالضرورة أنه حي.

السبب الزائف: هنا خَلْطٌ بين المعيَّة والسببية … أنت تربط بين حدوث شيئَيْن معًا؛ لأنك تعتقد أن أحدهما سبب الآخر، بينما قد تكون هذه مصادفة، أو يكون هناك سبب ثالث أحْدَثَ الشيئين؛ مثلًا: قد تجد علاقة بين رعاية بريطانيا للفنون وأعداد البطريق في القطب الجنوبي! مثلًا: الحُمَّى تُسبِّب الطفح الجلدي … هذا خطأ … العدوى الفيروسية سبَّبت الاثنين معًا. أو مثلًا: في أحياء السود … الفقر يتزايد بين المدمنين … إذن الفقر يُسبِّب الإدمان … هذا خطأ … التمييز العنصري يُسبِّب الشيئين معًا.

وقد يكون السبب هو النتيجة … أي إن العلاقة عكسية؛ مثال: إن الثقافة الجنسية أدَّت لنشر الإيدز … الحقيقة هي أن الإيدز جعل الناس يهتمون بالقراءة والثقافة الجنسية.

من ضمن هذا الخطأ ما يسمَّى Ad hoc fallacy؛ أي أن تفترض أن ما يحدث بعد الشيء هو نتيجة له. هذه خرافة مهمة في المعتقدات الشعبية، ويمكن تلخيصها بأسطورة الديك الذي كلما صاح طلعت الشمس؛ ومن ثم استُنتج أن صياحه يجلب الشمس. مثلًا: رأى رجال شعب بدائي الجمل لأول مرة، ثم انتشر بينهم الجدري … هكذا افترضوا أن الجِمال تُسبِّب الجدري. من هنا كل خرافات الطب البديل التي نعرفها، ومن هنا صنع النصَّابون ثرواتهم.

السؤال المشحون: هذه حيلة شهيرة جدًّا ناقشها أرسطو جيدًا … على غرار: «هل توقفت عن ضرب زوجتك؟» الإجابة بنعم أو لا تُؤكِّد أن ضرْب الزوجة حدث فعلًا. هنا مُصادرة على المطلوب Petitio preicipii، وهذا شبيه بطريقة المُحقِّقين الشهيرة: «أين أخفيت المال المسروق؟» بينما أنت لم تسرق أصلًا. هناك أمثلة أقل وضوحًا مثل: «هل تؤيد الحزب الحاكم والعمل على رفعة البلاد ومجدها؟» أو «هل تؤيد حرية السوق وجعل الرخاء يعم؟» أو «هل تريد أن تدرس الموسيقى وتُضيِّع وقتك؟»

التفكير التشبيهي: التشابُه والتماثُل مهمَّان جدًّا في حياتنا … أن تقيس على خبرات سابقة أو أحداث سابقة أمرٌ مهمٌّ، لكن أحيانًا يكون التشبيه خاطئًا؛ مثل: «الحياة كالنهر … تبدأ كغدير … ثم تصير تيارًا عاتيًا … ثم تنتهي واهنة كليلة حتى تتبدَّد في البحر.» تشبيه لُغوي جميل، لكن لا يمكن القياس عليه. من هذا مثلًا تشبيهُ علاقات الدول بعلاقات الأشخاص من قطيعة وصلح وعتاب … إلخ.

من ضمن التفكير التشبيهي مقولة لينين: لكي تصنع العجَّة لا بدَّ من كسر البيض … يجب أن تستأصل وتكون فاشيًّا وتَسحَق المُعارَضة … هذه مرحلة شديدة الخصوصية يجب أن تكون فيها قاتلًا أو مقتولًا. غير أن المُؤلِّف يقول إن هذه المرحلة لا تكون عابرة، بل تظل مقيمة للأبد! … مع الوقت يصير خنق المعارضة عادةً وهدفًا في حد ذاته، وكلما فشلت الأهداف المثالية البعيدة قيل إن هناك خيانة أو تدخُّلًا أجنبيًّا. من ضمن القياس التشبيهي الفاسد مقولة إن المسدس والمطرقة كليهما أداة معدنية صالحة للقتل، فلماذا نُبيح المطرقة ونمنع المسدس؟ أو مثال: المُسْتَخدَمون كالمسامير … لا بد من طَرْقهم على الرأس ليُؤدُّوا عملهم. لو بحثتَ عن تشابُهٍ لأي شيء لوَجَدْتَ … كتب كاتب الأطفال الشهير لويس كارول — على سبيل الدعابة — يسأل عن وجه الشَّبَه بين الغراب والمكتب. من الغريب أن القراء وجدوا أوجهًا كثيرة؛ منها أن إدجار آلان بو كتب قصيدة الغراب وهو جالس على المكتب!

مهاجمة رجل من قش: حيث يقوم الجزء مقام الكل … أنت تأخذ من كلام خصمك أجزاءً هشَّة يسهل هدمُها، فتوحي بأنك نجحت في تفنيد حجة خَصْمك. عليك — كما قال أرسطو — أن تكون أمينًا وتتبنَّى كل مقولات خَصْمك لتُفنِّدها. تذكَّر بيت الشعر:
وإذا ما خلا الجبان بأرضٍ طلَب الطَّعْن وحده والنِّزالا
يَحسُن تسجيل الكلام لتجنُّب فخ «أنت قلت/لا لم أقل». كارل بوبر مثلًا كان يقوم بتحسين نظرية خصمه وتقويتها ثم يهاجمها في أقوى نقطة فيها؛ ومِن ثم يَهدِمها فلا تقوم لها قائمة.