قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, December 10, 2014

أورجازموترون



المخدرات ظاهرة تتفاقم في مجتمعنا وكل المجتمعات، فلا أحسبها طارئة أو فريدة. الحاجة لمادة غريبة تدخل جسدك فتمنحك النشاط أو تنسيك همومك الكثيفة، حاجة قديمة قدم البشرية. فقط يتطور العلم بحيث يصل إلى مخدرات أكثر فعالية وأشد تعقيدًا وأصعب في التخلص منها. إن جيل أبي يذكر مشكلة إدمان الكوكايين التي اجتاحت مصر لفترة، ومونولوج (شمّ الكوكايين خلاني مسكين). كنا نسمع عن الماريجوانا، ثم مع الوقت صرنا نسمع عن البانجو ثم ظهر الفودوو. وكلها تنويعات على نبات القنب الهندي أو الحشيش الذي سمعنا عنه من عصور فرق الحشاشين. العلم ابتكر مخدرات عبقرية لا وجود لها في الطبيعة مثل عقار الهلوسة LSD، بينما تفنن بعض الصيادلة المنحرفين في العثور على حلول عبقرية للحصول على مخدرات من أدوية الربو والسعال البريئة.

اليوم ينتحي بي كل واحد جانبًا لينظر حوله ثم يسألني في حذر عن الترامادول. هل هو مؤذ؟ هل يفيد أم يضر القوى الجنسية؟ متى يعتبر المدمن أنه مدمن؟ إلخ. يبدو أن شريط الترامادول صار موضة في جيوب الجميع يحملونها مع الحافظة والهاتف الجوال. سمعت عن الصنايعي الذي يبتلع شريط ترامادول على الريق يوميًا مع كوب قهوة. 

كان أقصى ما تفتق عنه ذهني في إحدى قصص الخيال العلمي هو الفلوجستين، وهو المخدر الجديد الذي تخيلت أن أولاد الذوات سيدخنونه. قطرات توضع على الساعد وتُمتص هناك، من ثم يدخل الفتى غيبوبة الايوفوريا: "انتظر حتى ترى الوهج الأخضر يتراقص. قطّر كل روائح الكون. قطّر عبق السراخس في المستنقعات التي خطت فيها الديناصورات منذ ملايين السنين. قطّر رائحة عرق كليوباترا ودماء يوليوس قيصر. قطّر البخور الذي أشعله الدراويش في ليالي القاهرة الفاطمية. قطّر النيران التي التهمت القاهرة فيما حكوا لنا، وقطّر عبق كل غانيات باريس راقصات الكان كان". إلخ!

في فيلم (النائم - 1973) لوودي ألين تكون هناك غرفة اسمها أورجازموترون. اسم هو مزيج من النشوة الجنسية والسايكلوترون!. تدخل الغرفة وتغلق على نفسك لتعيش لحظات من النشوة الجنسية لاتوصف وتخرج راضيًا. هناك كذلك كرة صغيرة يعيش من يمسك بها لحظات نشوة مذهلة. تكررت هذه التيمة في أفلام خيال علمي تالية كثيرة. معنى ذلك أن هذه أنواع من المخدرات الرقمية!

أما العجيب فعلاً فهو ذلك المقال الذي أرسله لي صديق مغربي عزيز، ودفعني للبحث في النت أكثر. على الأرجح يعرف الشباب هذه المعلومات منذ قرون.

يتكلم المقال عن مخدرات رقمية تنتشر في لبنان. وقد طلب وزير العدل اللبناني أشرف ريفي اتخاذ خطوات رادعة لمنعها. هذا المخدر الرقمي عبارة عن (تراك) ستريو صوتي يسمع بالأذنين معًا، يمكن شراؤه بثلاثة دولارات من النت. ويقال إن لهذا المخدرات آثارًا قاتلة على المستعمل، بينما نفى علماء كثيرون أن لها أي خطر. بل نفوا أن لها وجودًا أصلاً وقالوا إنه تأثير الإيحاء على المخ. هذا ممكن. رأيت أثناء عملي في المستشفى امرأة في حالة هستيرية لا تكف عن الصراخ والعواء طيلة الليل، فحقنها طبيب الأمراض العصبية بحقنة مليئة (بمخدر). الحقيقة أنها كانت تحوي الماء المقطر فقط، ورأيت المرأة تغمض عينيها بالتدريج ثم غابت في النعاس العميق لنصف يوم!

النغمات تحدث حالة مزاجية صناعية عن طريق عزف نغمتين معًا مما يغير موجات المخ. وكما يقولون على النت: "لو تعرضت الأذن اليمنى إلى موجة 325 هرتز واليسرى إلى موجة 315 هرتز فإن الدماغ سيعمل على معالجة الموجتين لتشكيل صوت وموجة جديدة لتكون موجة 10 هرتز، وهي نفس الموجة التي ينتجها الدماغ أثناء الارتخاء والتأمل". وهي ظاهرة وصفها عالم ألماني اسمه هنريك فلهلم دوف عام 1839. وقد تبين أن المخ يفرز بسببها كميات من الاندورفين مما يتيح تحسنًا في حالات القلق. الموجات المخدرة تُباع حسب المزاج وحسب احتياجك لجلسة طويلة أو مجرد (سطلة) سريعة أو حتى رغبتك - لا سمح الله - في نشوة جنسية. 
هكذا نرى أن المخدرات لم تتطور كيميائيًا فحسب بل فيزيائيًا أيضًا، وما دام المخدر في النهاية يحدث تغيرات كهربية في المخ فلا داعي له، ولندخل المخ لنغير بأنفسنا مباشرة.!

لا أدري متي أكتشف أن هناك غرفة أورجازموترون غير مرخصة في نهاية شارعنا، وأن تلاميذ المدارس يفرون من مدارسهم لدخولها بضع دقائق يوميًا. كل ما أرجوه أن يكون ابني قد كبر بما يكفي وقتها لينجو من هذا الفخ!