قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Thursday, May 26, 2016

مهن غامضة


wyomingworkforce.org

هناك طرق غريبة للحصول على الرزق قد تثير دهشتك. قال لي صديقي ساخرًا: "لم أعرف من قبل شخصًا سواك يكتب قصص رعب لكسب الرزق!". لم أفطن من قبل لهذه الحقيقة؛ وهي أنني أمارس إحدى المهن الغريبة بدوري. لكني أعترف لك أن كسب الرزق ليس السبب الوحيد لكتابة قصص الرعب. هناك حاجة نفسية خاصة لديّ لابد من إشباعها وإلا جننت تمامًا، ووضعت كسرولة على رأسي.

عرفت ساحر المؤثرات الخاصة الأمريكي راي هاري هاوزن الذي قدم نماذج الوحوش في عدد هائل من الأفلام الممتعة، كما عرفت ريك بيكر المتخصص في الماكياج، وستان ونستون خبير النماذج المتحركة والأنيماترونيكس. من الغريب أن هذه مهنة كأي مهن أخرى. هذا رجل يصحو من النوم صباحًا ويغسل وجهه ويركب المواصلات إلى الاستوديو، حيث يصمم المسوخ والوحوش حتى المساء، ثم يعود لبيته منهكًا مشتاقًا للوسادة!

فإذا كانت هذه المهن قمة في الإمتاع فإن هناك مهنًا تثير الاشمئزاز فعلاً، مثل مهنة غطاس المجاري الذي يغطس فيها لتسليكها. معلوماتي هي أن اسمه (الزجّان) على وزن (السجان) وأرجو أن تصحح لي لو كنت مخطئًا .. غطاس المجاري يعاني كافة الأمراض الجلدية، وهناك مرض كبدي مميت اسمه فايل Weil يصيب كل من يتعامل مع مياه فيها جثث فئران. لا شك أن غطاس المجاري مؤهل بشدة لهذا المرض.

وبالطبع مهنة حلاق الحمير عجيبة فعلاً. هذه مهن شريفة بالتأكيد ويحتاج لها المجتمع لكنها عجيبة، وتحتاج لروح عالية لدى أصحابها.

رأيت ورشة مختصة بتنظيف التاكيهات، وورشة مختصة بتغليف الأسلاك المجلفنة. لا أعرف من أين يحصلون على رزقهم، أنا شخصيًا لم أشعر قط بحاجة لتغليف الأسلاك المجلفنة لسبب بسيط هو أنني لا أعرف ما هي بالضبط.

الرولمان بلي .. لا أعرف أهمية هذا الشيء ولا دوره في الحياة، لكنك تجد دائمًا رجلاً جالسًا على الرصيف يبيع الرولمان بلي، وبعد خمس سنوات تعرف أنه بنى أربع عمارات وصار مليونيرًا من الرولمان بلي.

هناك قرى كاملة في مصر يقوم اقتصادها على استخراج السلك الموجود داخل إطارات السيارات المستعملة. وهناك من يصب لك زجاجًا لأي نوع من الساعات. هناك من يصنع من ألواح البلاستيك اكسسوارات الفراعنة المستعملة في المسلسلات!... هذه مهنة غريبة ولا تنكر!

في العالم الغربي هناك مهنة الجيجولو، أي الشاب الذي يبيع رجولته للنساء المسنات مقابل مال. لا أعرف ما يكتبه الجيجولو في بطاقته الشخصية بصراحة، لكن أستبعد أن يكتب أنه جيجولو!!

هناك مهن كانت تثير حيرتي دومًا .. مثلاً مهنة المثمّن القضائي!.. ماذا يفعل بالضبط؟ لابد أنه يجلس ويمسك بكوب زجاجي، ثم يرفع نظارته ويقول:
ـ"هذا بخمسة جنيهات؟ ... أنا اشتريت مثله من سوق وسط القاهرة بجنيهين فقط"
ثم يرفع البساط ويتفحصه ويقول:
ـ"لا يستحق أكثر من مئة جنيه .. لابد أن البائع الذي اخذ منك مئتي جنيه لص!"
وحتى القلم الذي يكتب به. يتفحصه ثم يقول في اشمئزاز:
ـ"لن أدفع فيه أكثر من جنيهين .."
هذه مهنة غامضة أخرى. لكن أعتقد أن تصوري هو الأقرب للصواب.

في المصارف هناك مهنة غريبة أخرى هي مهنة (الخبير الإكتواري)!.. الخبير الإكتواري شخص يجيد دخول الجداول الإكتوارية. للاسم رنين خاص في ذهني يذكرني بالآبار الارتوازية .. لكن عمله ليس ارتوازيًا على الإطلاق. إنه الرجل الذي يحدد أسعار الفائدة للودائع أو شيء من هذا القبيل... الخلاصة أنه الرجل الذي يفسر لك لماذا أودعت ألف دولار، لكنهم يردون لك 800 دولار عندما تريد استرداد مالك. لن تستطيع الجدال لأنك لست إكتواريًا .. عليك أن تقبل.

في الشركات الانفتاحية المتأمركة الحديثة – حيث يلبسون القميص بنصف كم مع ربطة عنق ويطلبون ديليڤري البيتزا في الغداء – هناك قسم كامل اسمه HR  يعمل فيه أشخاص عملهم الوحيد هو HR. لا تعرف بالضبط طبيعة عملهم.. المفروض أنهم مختصون بالموارد البشرية، لكنك لا تفهم أبدًا.. من المفروض أن أصحاب الشركة اختاروا مواردهم البشرية وانتهى الأمر، فلماذا يريدون أن يكون هذا نشاطًا دائمًا؟ .. تخيلت أن مسئول الـ HR مهمته أن ينظر للموظف الجديد شذرًا ثم يقول: "الواد ده باين مش حيعمر معانا.." أو "البت دي شكلها مش نافعة". التفسير الوحيد المعقول هو أن هذه شركة من أكلة لحوم البشر مهمتها الحصول على موارد بشرية لا تنتهي، وكل هؤلاء يتم طبخهم ليأكلهم السيد الـ CEO. أنت تعرف طبعًا أن المدير يدعى CEO في تلك الأماكن.

كل هذه مهن غريبة، لكنها مفيدة للمجتمع بالتأكيد. لكن هناك مهنًا أخرى لا جدوى منها على الإطلاق.

بعد ثورة يناير أصيبت الفضائيات بالسعار، والحاجة إلى من يقول أي كلام طيلة أربع وعشرين ساعة، لهذا ظهر كائن غريب اسمه المحلل الاستراتيجي. لا تعرف ما يفعله بالضبط لأن كل نبؤاته خاطئة. يؤكد أن (سين) من الأحداث سيحدث.. وبعد فترة يشرح لك لماذا لم يحدث (سين) ووقع (صاد).  كانت قناة الجزيرة تستضيف محللاً استراتيجيًا راح يشرح كيف أن بوش لن ينجح في عبور مناطق القبائل الكثيفة المقاتلة في وسط العراق، وبعد ثلاث دقائق قطعوا كلامه ليبثوا مشاهد دخول المارينز إلى فندق الرشيد في بغداد، ومشاهد إسقاط تمثال صدام. هناك تويتة قاسية فعلاً للساخر الجميل أسامة غريب، يقول فيها: "في اسبرطة القديمة كانوا لا يأخذون بشهادة الخبير الاستراتيجي في المحاكم باعتباره ابن كلب صايع"!.

في العالم العربي هناك مهنة عجيبة لا نفع لها على الإطلاق؛ هي مهنة وزراء الخارجية. مهنتهم غامضة فعلاً لكنهم يجتمعون دائمًا، وغالبًا ما يكون هدف اجتماعاتهم هو ترتيب موعد الاجتماع التالي، لكنهم – كما يقول د. جلال أمين عن خبراء البنك الدولي – ينالون راتبًا هائلاً يقنعهم أنهم بالتأكيد يقومون بشيء مهم.

كلنا نعرف رجلاً مهمته هي القلق .. يستيقظ في الصباح ويتناول إفطارًا دسمًا ثم يشعر بقلق طيلة اليوم.  هذه المهنة هي أمين عام الأمم المتحدة. وهي مهنة شاقة بحق .. من الصعب أن تقلق طيلة الوقت .. لابد من لحظات تنسى فيها...

هناك مهن غريبة فعلاً، لكني سعيد بتنوع الاهتمامات البشرية .. لو لم يكن هناك من يهتم بتنظيف التاكيهات الخاصة به فكيف يعيش هؤلاء المختصون بتنظيف التاكيهات؟. ولو كان الناس يفهمون الجداول الإكتوارية لما وجدت مهنة الخبير الارتوازي .. آسف .. الإكتواري هذه، ولو لم تكن الفضائيات جائعة لمن يتكلم لما وجد خبراء استراتيجيون!