قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, August 16, 2016

هشام يخفي سرًا - 1


رسوم الفنان «طارق عزام»

السر الذي يخفيه هشام يحيرني حقًا.

تسألني كيف عرفت أن لديه سرًا، فأقول لك إنني امرأة .. أملك ذلك التكوين الوجداني والشعوري والعقلي الذي يزدهر في وجود هرمونات الأنوثة، كأنك تسقي أيكة بالسماد.. ثمة جزء في تكوين الأنثى يقدر على قراءة الأفكار أو الحدس أو الاستبصار .. أحلامنا كنساء تتحقق غالبًا .. مخاوفنا تصدق على الأرجح.

السر الذي يخفيه هشام يحيرني، فهشام يبدو لي كأرض منبسطة سهلة. عيناه صادقتان لكنهما خائفتان. في أعماق عينيه يمكنني رؤية النظرة تقول: «لا تقتربي أكثر من اللازم من فضلك فلدي سر مخيف!»

ما هو السر المخيف؟ فراسة المرأة تتوقف هنا. مهما شببتِ على أطراف أصابع قدميك لتختلسي نظرة من فوق السور، فهناك بقعة عمياء لا ترين بعدها. ولكن … أ .. دعني أقدم نفسي أولاً…

مرحبًا بك. هات يدك أصافحها ..

اسمي صفاء. أنا في الثامنة والعشرين من العمر. أعرف من نظراتك ومن ابتلاع ريقك أنني جميلة. الطريقة التي يطرق بها الرجال عندما يكلمونني أو يحاولون النظر في اتجاه آخر .. أعرف هذه اللحظات عندما يؤلمهم جمالي ويحرمهم الراحة النفسية. بالتأكيد يفضل أحدهم ألا يكلمني أو ينظر في عيني، بل سيكون أكثر راحة لو جلس يتأملني من بعيد. أنا محجبة لكني أعرف كيف يضيف هذا الحجاب الأنيق حسنًا إلى حسني. يخفي العيوب ويبرز المزايا ويضع لمسة غموض محببة تعد من يظفر بي بكشف السر.

أنا سكرتيرة في شركة استشارات هندسية، وأتقاضى راتبًا لا بأس به، وعندي سيارة لا بأس بها أبدًا. يمكن القول إنني محظوظة، خاصة وأن أبي وأمي بصحة طيبة ولي ثلاث أخوات  لكنهن أقل جمالاً وسنًا.

كانت أمواج المعجبين تتكسر عند صخرتي وتتبعثر .. كثيرون نعم .. لكنهم يفقدون شجاعتهم بسرعة كأنهم الذباب. وقد قررت أن من حقي أن أختار لنفسي الملك .. لن أضيع وقتي مع عشاق مفلسين خائفين، بل يجب أن أكثف جهودي لنيل ذلك المهندس الشاب الناجح هشام. هو وسيم جدًا حتى ليبدو كعارضي الأزياء، وهو ثري جدًا ومن أسرة غنية أصلاً. دعك من أنه خجول فعلاً وتستطيع أي فتاة أن تظفر به بشيء من الجهد .. الحقيقة أنه أجمل من أن يكون حقيقيًا .. لكنه حقيقي وليكونن لي…

وقفت أمام مرآة غرفة النوم وأعدت إصلاح وضع الحجاب .. هذا جمال لا يحق لكائن أرضي ان يظفر به. أنا مغرورة؟ ربما .. لكنك لم تر وجهي .. لربما لو رأيته لقلت إنني أبخس نفسي حقها.

قلت لنفسي العبارة التي أكررها كل يوم:
ـ«سوف أظفر بك يا هشام .. أقسم بالله أنني سأظفر بك»

هذه لعبة سهلة ومسلية جدًا. تستطيع أي فتاة جميلة أن تظفر بالرجل الذي تريده إذا كان عديم الخبرة مثل هشام.

كان ينظر لي بعينين خرساوين، ورأيت أكثر من مرة عينيه تتحسسان تقاطيع وجهي الساحرة أو منحنيات ثوبي. كان يريدني بقوة، لكن عليه أن يعرف أن الوصول لهذا الكنز يمر بطريق واحد .. لا بد من مقابلة مع أبي ولا بد من خاتم ذهبي. ولا بد من رحلة مرهقة لانتقاء الأثاث وديكورات الشقة.

أنا آسفة يا هشام .. لا أريد أن أقيد حريتك. لكن لا أحد يستحقني سواك، ولهذا لا أملك الخيار للأسف.

***************

لم يكن أحد يعرف الكثير عنه. فهو من الطراز الصموت الذي لا يبوح بأسراره  بسهولة، ولعل هذا يمنحه طابعًا ساحرًا. دع أي واحد من هؤلاء الأوغاد يجلس معك، ولسوف يحدثك عن التهاب إصبع قدمه الكبير، وعن زيارة خالته مع أطفالها الخمسة، وعن أمه التي وضعت الملح في كوب الشاي لأن مرض السكري أتعب شبكية عينيها… مع هشام مستحيل أن يحدث شيء سوقي كهذا..

صديقه الأقرب يدعى مصطفى .. مهندس صغير السن ثرثار. وقد جلس في المكتب جواري يشرب الشاي ولا يكف عن الكلام لحظة.. فقط ضغطت على الزناد فتكلم.

قال لي إن (هشام) يسكن في مدينة نصر مع أمه .. ليس لديه أب ولا أخوة .. غير متزوج.

كدت أركله غيظًا .. غير متزوج !.. يالك من عبقري !.. هذه الحقيقة لم تفارقني لحظة واحدة منذ عام ونصف. غير متزوج .. هناك ثمرة لامعة شهية معلقة من غصن الشجرة تنتظر الفتاة المحظوظة التي تلتقطها .. فتاة مثل صفاء .. مثلي.

قال لي إن (هشام) خجول ومتحفظ .. ثم إنه يرفض كل فرص السفر للخارج التي أتيحت له، وحتى عندما قدمت له بعض المنح الدراسية فقد رفضها في إصرار.

ـ«هل هو وطني لهذا الحد؟»

ـ«ما من أحد وطني لهذا الحد .. إما أنه يهاب التجارب الجديدة، أو هو يكره ترك والدته وحيدة»

كنت أنا قد رسمت الصورة كاملة.  فيلا في التجمع الخامس أو مدينة الشروق .. أطفالنا يلعبون في الحديقة.  أمه نضعها في غرفة ما ونطعمها إلى أن تموت .. لن يطول الأمر ..

فقط هناك سؤال واحد…

هشام لديه سر في عينيه .. يومًا ما سأعرف هذا السر..

***************

كنت أنسج خيوط العنكبوت حول هشام في حذر، وأدنو منه وأبتعد .. أتظاهر يومًا باللطف ثم تصير معاملتي متحفظة فاترة فلا يفهم السبب .. كان ينهار كسمكة تجذب شص صنارة..

عرفت أنه انهار عندما كنت وحدي في غرفة التصوير أطبع بعض المستندات، هنا فوجئت به يقف خلفي . استدرت في شيء من الرعب المصطنع .. فرأيت وجهه محتقنًا والعرق يغمر جبينه .. وفجأة لم أدر كيف أمسك بكفي وانهالت قبلاته على أطراف أناملي، وهو يردد بلا توقف:
ـ«أنا أحبك يا صفاء .. أحبك حقًا .. أحبك بجنون .. لا أقدر علي ……..»

كانت الكلمات تتدافع على لسانه وتذيب بعضها. هذا البائس سيصاب بنوبة قلبية فورًا ..مسكين .. بالطبع كان ردي فعلي متوقعًا ومبرمجًا:
ـ«باشمهندس هشام. أرجوك! من تظنني؟»

كنت أسيطر على الموقف بالكامل .. هو خجول عديم الخبرة ولن يتمادى، لكن كل أنثى تعرف كيف تقنع الرجل أنه خطر مرعب وأنها ضحية .. هذا يروق لهؤلاء الحمقى جدًا ..  كما توقعت تراجع وأخرج المنديل يجفف به عرقه.  وسيم حقًا بالقميص السماوي وربطة العنق الزرقاء والقلم يطل من جيب القميص، وكان في حال سيئة من الخجل والإحساس بأنه تمادى جدًا ..

هنا دخلت هدى الغرفة حاملة بعض الأوراق .. هدى زميلة عمل لعينة تشبه خنفسة السيكادا، وأنا أمقتها عامة ولا أطيق رائحة عطرها الكريهة، لكني شعرت بامتنان لها. نظرة الشك والحيرة التي بدت على وجهها كانت رائعة ..  أنت أفسدت سمعتي يا باشمهندس وعليك أن تعتذر لي بطريقة عملية.  كأن تقابل أبي مثلا!

عند الظهر قدم لي الكثير من الاعتذار وقال مرارًا إنه فقد التحكم في نفسه .. قال إنني ساحرة جدًا ولم يخلق الرجل الذي …

ـ«انتهى الموضوع لو سمحت!»

وغادرت المكان وأنا عازمة على أن أظهر الغضب والشعور بالإهانة لفترة. أنتم الرجال تعتقدون أن أي سكرتيرة تعمل معكم جارية متاحة في أي وقت. أما ما حدث بعد هذا من وفاة هدى المريعة فقصة أخرى ليس مجالها هنا!

.......

يُتبع