قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, September 13, 2016

هشام يخفي سرًا - 5


رسوم الفنان طارق عزام

هشام يخفي سرًا ..

أعرف هذا وقد بدأت أتوتر فعلًا. خواطر كابوسية جابت ذهني مرارًا .. رأيته ساحرًا شريرًا يقدر على الوصول لمخدعي .. لوسادتي.. رأيته يحرق دمى مسحورة تحوي شعيرات من رؤوس أعدائه ..

سألته أكثر من مرة عن الحيل التي يضع بها أشياء عندي، فراوغ في الإجابة .. كان يحيل أي كلام مزاحًا. الحقيقة أنه لا تفسير هنالك سوى أنه استعان بأخواتي، وبرغم هذا لدي يقين داخلي مبهم أن هذا لم يحدث ..

لقد أجريت تجربة صغيرة .. ناديت الفتيات الثلاث؛ ليلى وسامية ومي إلى غرفتي، ثم عرضت عليهن قطعة الشيكولاته، وأمسكت بالمصحف وطلبت من كل واحدة منهن أن تقسم على أنها لم تضع هذه الحلوى بناء على طلب من هشام. الفكرة أنهن أقسمن .. جميعًا أقسمن .. أعرف أنهن لن يكذبن لدرجة القسم على مصحف. هشام بالفعل يملك القدرة على الوصول لأي مكان في حياتي.

لكن لن أرتكب خطأ عمري ..

لن أتركه لمجرد شكوك غامضة تتعلق به ..

أذكر ذلك اليوم الذي اصطحبني فيه إلى نادٍ ليلي هادئ، حيث الظلال والأضواء الخافتة تحرك الخيال.. موسيقى خافتة سمعتها في مكان ما، وذكرى عن مستقبل لم أعشه قط لكنه ذكرى! لا أعرف كيف أصف لك هذا الشعور العجيب..

كنت متأهبة عاطفيًا .. كنت أرضًا خصبة تنتظر البذرة التي سيزرعها فيها بكلماته. سوف أنبت وأورق .. سوف أصير غابة تغطي الكون …

لكن كلماته كانت غريبة بعض الشيء:
ـ«صفاء ..  أشعر أنك لن تجدي راحة معي. صدقيني . قرار زواجنا قرار خطر .. ليس بهذه البساطة ..»

نظرت له في شراسة:
ـ«ما الذي تحاول قوله بالضبط؟ هل جاء وقت التنصل؟»

ـ«بالعكس .. لقد ازددت جدية .. وأريد أن أكون صريحًا معك.»

ـ«إذن فلتصر صريحًا معي .. لقد حان الوقت.»

أعرف أنك تخفي سرًا يا هشام .. ويبدو أن الوقت قد حان .. البوابة توشك على أن تنفتح … يقول وهو يتحاشى عيني ويقلب الشفاط في كوب العصير:
ـ«أنا أهيم بك حبًا .. لا أستطيع التخلي عنك .. وهذا التعلق يجعلني أتصرف من دون حكمة. يجعلني أتخلى عن حياة العزوبة التي اخترتها لنفسي. لنقل إنني أغير خطة حياتي بالكامل …»

كلام يجمع بين التشجيع والتخويف. أنا مسيطرة أمسك بكل الخيوط كما أعرف عن نفسي، لكنه يلوم نفسه على أنني أقوده للمصيدة .. ما السبب؟ خطرت لي أفكار سوداء تتعلق برجولته .. لربما ارتباطه بأمه زائد ومرضي حتى أنه يشعر بأنه يخذلها لو تزوج أخرى .. لا أدري .. هناك رائحة مريبة في هذا كله. لهذا يقول الغربيون (أنا أشم فأرًا).. أنا أشم فيلًا …

لم يعطِ تفاصيل أكثر .. فقط قال:
ـ«سوف تكونين معي في السراء والضراء ومهما عرفت عني؟»

قلت في حذر:
ـ«في كل شيء ما عدا أن تكون مصابًا بالجذام أو الدرن، أو تكون لصًا أو تكون لك عادات غير أخلاقية معينة لا أفهمها ..»

هنا بدا الألم على وجهه. هذا التقلص الذي رأيته عدة مرات، ويقول إنها المرارة كل مرة. توقف تنفسه وغطى العرق جبهته .. ثم مرت النوبة فجفف عرقه. أنا بخير لا تقلقي .. ومن قال إنني قلقة؟ لقد عشت هذا السيناريو مرارًا .. وفي كل مرة لا خطر ولا تفسير. عاد يواصل التعليق على ما قلته:
ـ«ليس الأمر كذلك .. اطمئني ..»

ثم رفع يده طالبًا الحساب .. ولم يسألني إن كنت راغبة في البقاء أكثر. وسرعان ما كنا ننطلق بسيارته عائدين لبيتي. وفي هذه المرة صعد معي في الدرج وقابل أمي، وقال لها إن الوقت قد حان ..  لقد صار زواجنا واجبًا ملحًا .. ولم تعترض أمي كثيرًا. أنا قد انتصرت لكنه انتصار غريب المذاق .. ترى لماذا لا تتوهج النجوم وتحلق الملائكة في أجواز السماء، ولماذا لا تلاحق الغزلان الفراشات؟ ربما لأن ذكرى وفاة أبي لم تطل عن عام، وربما لأن …..

هكذا تم الزفاف يا كمال .. قلنا إن اسمك كمال أليس كذلك؟

المكان الذي اختاره لنا هو فيلا صغيرة من طابقين في أكتوبر، كان قد ابتناها على مدى عدة أعوام منذ عمل في الشركة. هي على أطراف المدينة. يمكن القول إنها شبيهة بما كنت أحلم به، وبالفعل جاء بأمه.

سافرنا لمدة خمسة أيام إلى الغردقة.  وقد كانت أيامًا لا بأس بها، لكن تساؤلاتي بدأت تزداد.

كان هشام في الليلة الأولى متحفظًا.. خجولًا. وقد اندهشت لأن تحفظه جعله لا يبدل ثيابه أمامي أبدًا. هو دائمًا بثياب الخروج أو المنامة. عندما دعوته للاستحمام في حمام السباحة قال إنه يكره الماء بسبب خبرة طفولية سيئة. هكذا هو من الطراز الذي يلبس الشورت والتي شيرت ويجلس على حافة حمام السباحة يشرب العصير. لا يبلل قدميه أبدًا.

عندما عدنا بعد أسبوع العسل هذا بدأت أكون انطباعي..

أمه لم تكن باللطف والرقة اللذين تكونا كانطباع عندي. هي مسيطرة وأعتقد أنه يخشاها فعلًا. صحتها مضعضعة فعلًا وتتنفس بصعوبة بالغة، لكن شخصيتها بكامل لياقتها ويمكن لشخصية كهذه أن تمارس رياضة العدو أو رفع الأثقال. وكانت تعاملني بتحفظ مهذب. التحفظ الذي سيصير عدوانية واضحة عند أول بادرة. هي إذن من طراز الأمهات اللاتي يتصارعن على ذكر القبيلة .. أنت ستأخذين ذكر قبيلتنا .. إذن فالموت لك ..

الأمر الثاني هو أن الأم كانت تفضل الاعتكاف في غرفتها. وفي معظم الأحوال كان هشام يحمل لها الطعام هناك. هناك طاهية وخادمة تترددان على البيت بضع ساعات يوميًا .. الأولى تعد لنا طعام الغداء والأخرى تنظف غبار اليوم السابق وتفرش الأسرة..

مرت أيام أخرى، وجاء اليوم الذي ذهبنا فيه معًا للشركة بسيارته كما تمنيت .. وهناك كان الجميع يعاملونني باعتباري الخبيثة التي فازت بقصب السبق. الأبرع والأقدر والأجمل. لا شك أنني شعرت بغرور شديد، لكني في الوقت ذاته لم أكن مستريحة .. سعادتي غير كاملة ..

روضينا قالت لي الشيء ذاته .. قالت إنني شاحبة غير سعيدة. لا يتدفق ماء الهناء والحياة من وجنتي كأي عروس جديدة هانئة. قلت لها شيئًا عن نفسي المريضة التي تنال التفاحة ثم تتساءل عن جدوى هذا ولا تجدها حمراء بما يكفي ..

في حالتي لم تكن هذه هي المشكلة .. كانت المشكلة هي أنني لست موقنة أن ما في يدي تفاحة. ربما هي شيء آخر؟

سوف أحكي لك كذلك قصة القط الممزق في الحديقة .. إنها مهمة لقصتنا ..

هل تريد معرفة القصة؟ إذن دعني أخبرك أنني وجدت قطًا ممزقًا في الحديقة .. انتهت القصة. ممتعة أليس كذلك؟ حدث هذا يوم الخميس .. كنت أتفقد الأزهار عندما وجدت هذه الجثة المهلهلة .. هذا ليس قطًا ميتًا بل هو قط ممزق. هل هناك ذئاب تتسلل لهنا؟

عندما سألت (هشام) شحب وجهه وبدا عليه الذعر.. ثم قال لي بصوت مبحوح:
ـ«لن يحدث هذا ثانية»

ما معنى هذا؟  ما الذي لن يحدث ثانية؟

أنت تعرف يا كمال – هذا اسمك أليس كذلك؟ – أنني قررت أن أعرف أين أنا بالضبط.  يجب أن أقوم بتفتيش البيت جيدًا .. ربما كان علي كذلك أن أضع كاميرا لاسلكية في الحمام لهشام.  هذا تصرف غير أخلاقي لكن للضرورة أحكامًا. هناك لغز في جسده لا يريد أن يراه أحد .. فما هو؟

إن قصتي توشك على الانتهاء يا كمال فلا تتململ .. أعرف أنني أطلت عليك ..

يتبع