أطلق على هذه الظاهرة اسم (التأثير البؤري للمصائب). عندما تضيء كشافك على جدار قريب فإن بقعة النور تكون صغيرة .. كلما ابتعدت اتسعت البقعة أكثر فأكثر. كلما كنت في الخارج وسمعت عن مصيبة في أرض الوطن، فإن الأمر يتناسب مع بعدك عنها. على هذا البعد تتضخم الأمور وتتسع رقعتها.
في العام 1992 كنت في المملكة العربية السعودية ، وكنت عائدًا لداري منهكًا يوم 12 أكتوبر، عندما قابلني صديقي التونسي شريك شقتي، وقد بدا عليه الحرج ونظرات التفهم لأحزاني. قال لي:
ـ"آسف لهذا المصاب الجلل .. أرجو ان تكون الأسرة بخير"
مصاب جلل؟... وثب قلبي لفمي وهو يحكي لي عن الزلزال الذي ضرب مصر. كنت آخر من يعلم. لم تكن هناك شبكة إنترنت ولا هواتف محمولة ولا فضائيات.. التلفزيون الرسمي السعودي ينقل التعازي ويصف حجم الخسائر المهول، والمساعدات المقدمة للشعب المصري المنكوب. تهرع إلى كابينة الهاتف ذي العملة، صلتك الوحيدة بمصر، فتجد نحو ألف مصري يحاولون الاتصال بذويهم. طبعًا هو فشل كامل بسبب كثرة المكالمات.. فقط من ينجح في الاتصال يخبره أهله أن بيته في بولاق قد انهار وأن أمه جرحت.. تقضي الوقت في محاولة الاتصال حتى الثالثة صباحًا. كل شيء يتضخم، وتتخيل جثث أحبابك الذين تخرجهم هيئات الإغاثة الدولية من تحت الأنقاض..