قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Saturday, June 3, 2017

حديث الرءوس المقطوعة - 2


كنا قد بدأنا الكلام عن الجراح النصاب الإيطالي سيرجيو كانافيرو، الذي يتحدث عن زراعة رأس إنسان لإنسان آخر، وقد فتح هذا شهيتنا للكلام عن الرءوس المقطوعة، فقررت الاستعانة بمقال قديم لي عن نفس الموضوع. وقد بدأنا بتوجيه بعض الأسئلة.

السؤال الثاني هو: هل يمكن للرأس المقطوع أن يظل حيًا؟

قلنا إن المعتقد الشائع وقت الثورة الفرنسية كان أن الرأس يرى لبضع ثوان، وكان الجمهور يرى تقلصات وتعبيرات على الوجه.. هذا دفع أحد العلماء إلى عمل دورة دم صناعية للرأس المقطوع، وقيل إن الرءوس التي جرب عليها هذه التجربة ظلت تحرك عيونها وتحاول الكلام!

هناك قصة شهيرة للأديب (روالد دال) عن رجل ثري قاس مع زوجته، عرف أنه موشك على الموت بسبب السرطان. هكذا اتفق مع جراح أعصاب صديق على أن يكون موجودًا وقت الوفاة. ينزع مخه في دقة ومعه العصب البصري المتصل به، ثم يوضع في وعاء خاص يكفل له دورة صناعية. هكذا يراقب العالم ويرى ويظل وعيه حيًا.. السبب هو أنه لا يطيق فكرة أن تتلاشى خبرات عقله التي تراكمت عبر عدة عقود لمجرد أن جسده الواهن أصيب بالسرطان. تم المطلوب ونجحت الجراحة ووجدت الزوجة نفسها تتسلم وعاء به محلول حافظ يسبح فيه مخ زوجها وعينه تحملق فيها.. انبهرت بهذا ووجدت أنها للمرة الأولى تجد زوجها صموتًا لطيفًا.. كانت أهم وصية أمرها بها هي ألا تدخن أبدًا بعد وفاته. هكذا أشعلت لفافة تبغ وراحت تنفخ الدخان في الوعاء!.. إن أيامًا رائعة تنتظرها مع زوجها العاجز عن عمل أي شيء والذي ستعذبه كما عذبّها!

كان هذا مخًا بشريًا لكن ماذا عن الرأس ذاته؟

عام 1985 حصل عالم أمريكي اسمه فلمنج على براءة اختراع جهاز يحافظ على الدورة الدموية للرأس المقطوع، وهو يشبه جهاز القلب-الرئة الذي يستخدم في جراحة القلب المفتوح، هذه الأداة تمد الرأس بالأكسجين والمواد الغذائية. هناك أنابيب تمثل الأوردة تمر على جهاز ترويق دموي ينقي ثاني أكسيد الكربون ويضيف الأكسجين ثم يعود الدم للدماغ مع الشرايين.. والجهاز يتخذ شكل ياقة سميكة يمكن أن تبقي الرأس مرفوعًا..

بجهاز كهذا ظل الرأس المقطوع لقرد الريزاس حيا لمدة 36 ساعة، ويقال إن سبب وفاته في النهاية كان استعمال كميات هائلة من الهيبارين لمنع تجلط الدم.

نكرر من جديد: الرأس هنا يتصرف كوحدة مستقلة لها حياتها الخاصة.. بقاء الرأس حيًا لفترة لا يعني أبدًا قابليته للتوصيل على جسد آخر.

السؤال الثالث هو: هل يمكن للرأس المقطوع أن يتحرك؟

يبرز لنا في أواخر القرن الثامن عشر اسم البروفسور (جيوفاني ألديني) الإيطالي الذي يهوى تجارب الكهرباء الجلفانية مثل مواطنه (جالفاني). هنا نسمع عن تجارب جديرة بأفلام الرعب.. فهو يعمل على جثة مجرم تم إعدامه اسمه (فورستر). بدأ ينبه الفك والوجه فبدأ يتقلص وانفتحت إحدى العينين. انقبضت اليد اليمنى وراحت تفتح وتغلق قبضتها.

في الواقع لا يوجد شيء غريب في هذه التجربة، لأن أي طالب طب جرب هذا على الضفادع الميتة مرارًا، لكن ما يخيف هنا هو قدسية الجسم البشري


كانت فكرة البروفسور هي أنه يمكن إعادة الحياة للغرقى والمشنوقين بهذه الكهرباء.

قبل هذا أجرى تجربة أمام سفير فرنسا في إيطاليا وقام بتثبيت خطاف متصل بالكهرباء إلى لسان ثور قطعت رأسه. عندما سرى التيار انقبض اللسان بقوة لدرجة أنه تمزق.. وتحركت العينان وصدر صوت مريع من حلق الثور نتيجة للهواء الحبيس. 


تمت تجربة ذات العملية في إنجلترا على جثة مجرم مشنوق، وقد تم استخدام بطارية بها 150 رقيقة. اختاروا هذا المجرم بالذات لأن عنقه لم ينفصل لأن الحبل انزلق على ذقنه أثناء الإعدام.

قام د.جونز بفصل أعصاب التنفس ومنها العصب الحجابي الذي يظهر مساره في العنق، وهو العصب المتحكم في الحجاب الحاجز عضلة التنفس الأساسية. تم توصيل العصب الحجابي بالأسلاك، وهنا بدأ الحجاب يتحرك.. كأن المتوفى يحاول التنفس بصعوبة بالغة. وتم تحريك عضلات الوجه لتعطي تعبيرات مرعبة توحي بالألم. ثم انبسطت إحدى القدمين لدرجة أطاحت بأحد المساعدين الذين حاولوا منعها من الحركة.

الحق -كما يقول وصف جريدة صادرة وقتهاـ أن المشهد كان مريعًا، وقد غادر الكثير من الشهود القاعة. وقال الدكتور جونز إنه يعتقد أنه لو تم عمل شق في مؤخرة العنق يظهر الحبل الشوكي، فإنه من الممكن إعادة الميت إلى الحياة!

أليس هذا هو بالضبط جو رواية فرانكنشتاين؟

برغم هذا علقت الصحيفة قائلة إن ما حدث مجرد استجابة ميكانيكية لأن الروح نفسها قد فارقت الجسد. كل طالب طب يعرف هذا اليوم على كل حال.

السؤال الرابع: هل هناك من يحتفظ بالرءوس المقطوعة؟

على قدر علمي لم يفعل هذا سوى رجال الثورة الفرنسية الذين كانوا يعرضون الرءوس في أرجاء فرنسا، ثم وجدوا أن الرءوس تتلف بسرعة، لذا أرغموا امرأة تنتظر حكم الإعدام لعلاقتها بطبقة النبلاء.. أرغموها على أن تصنع تماثيل من الشمع لهذه الرءوس تبدو مثلها بالضبط، وهذا هو الثمن الذي عليها دفعه لتنجو من المقصلة. وكانوا يجوبون الريف الفرنسي بهذه الرءوس الشمعية على أنها حقيقية. المرأة هي مدام توسو صاحبة المعرض الشهير في لندن، ولا داعي لذكر أن هذا العمل الرهيب أرغمها على أن تقضي أيامًا مع الرءوس المقطوعة لمن كانوا أصدقاءها وصديقاتها! 


لكن هناك نوعًا آخر من الرءوس المصغرة التي لا يتجاوز حجمها قبضة اليد. تصور أن لديك مجموعة من رءوس أعدائك في غرفة المكتب، وهذه الرءوس صالحة للتعليق في الحزام والخروج بها على سبيل الزهو. هذه عملية معقدة تبدأ فور قتل الضحية.. لابد من قطع رأسه بشكل يحافظ على ثنية جلد من الأمام والخلف.. ثم يربط المحارب الرأس ويعلقه على كتفه ويهرع إلى معسكره.. يتم عمل شق في مؤخرة العنق ويتم سلخ الجلد بما عليه من شعر، ويترك الجمجمة بما عليها من عضلات هدية لثعبان الأناكوندا..

تتم خياطة العينين والشفتين.. الآن صار اسم الرأس (تسانتسا) ويتم حمله إلى أوعية الطهي المقدسة.

عندما تنتهي العملية يكون الرأس في ثلث حجمه الأصلي.. لقد صار كقفاز خال..

يتم حشو الرأس الفارغ بالحجارة والرمال، ويتم تعليقه فوق النار لينكمش أكثر. ثم يتم تزيين الرأس.. هذه العملية الصبور تستغرق أسبوعًا، ثم يتم عمل فتحة في الرأس وعمل أنشوطة تسمح بتعليقه حول العنق.

كان هنود (خيفارو) في أمريكا الجنوبية (اليوم هم الإكوادور وبيرو) متخصصين في هذا.. كانوا يعتقدون أن الرأس المصغر يحتوي أرواحًا مهمة لحماية المحارب. منها الواكاني التي لا تتأثر بموتنا لكنها تتحول لبخار، والأروتام التي تحفظنا أحياء، والمويساك التي تنتقم لصاحبها.. يجب تصغير الرأس كي لا تلاحقك المويساك وكي تدافع عنك الأروتام..

آخر مثال يذكره العلم لهذا الفن المندثر هو رأس جندي بولندي علقه النازيون في أحد معسكرات التعذيب لإرهاب السجناء، وقد استخدم هذا الرأس كدليل إدانة في محاكمات نورمبرج الشهيرة.

نعم.. الكلام عن الرءوس من المواضيع المحببة ما دام رأسك أنت فوق كتفيك. وبرغم هذا لا توجد أساطير فيما قلناه. فقط دعنا ننتظر ديسمبر القادم حين يفشل البروفسور سيرجيو كانافيرو في تجربته، وعندها سنشمت كثيرًا كما شمتنا في اختراع علاج الإيدز بالكفتة من قبل.