قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Friday, February 9, 2018

ساباث في الفضاء


إيلي رامون رائد الفضاء الإسرائيلي، ولقطات من موقعة الجمل، وأحداث استاد بورسعيد

تتزامن بداية فبراير/ شباط مع ثلاث مناسبات مهمة. لا أنكر بصراحة أنني أحسد إسرائيل بشدة؛ فهي دولة ديمقراطية أخذت بأسباب العلم وروح العصر، واستطاعت أن تصير بالضبط كما أرادت، وكما يقول هيكل: «استطاعوا تحويل أسطورة إلى حقيقة واقعة تعززها 300 قنبلة نووية، بينما نحن امتلكنا الحقيقة الواقعة والحق ولكننا حولناه إلى أسطورة». بالإضافة لهذا استطاعت إسرائيل أن تقاوم وتترعرع في بحر عربي معاد يريد لفظها.. استطاعت استغلال المصالح والروح القبلية لدى العرب وعمالة الحكام وازدادت قوة وبأسًا. كنت أقرأ عن رحلات جولدا مائير الرهيبة – وهي بعد شابة حسناء – على الجمل في ليل الجزيرة العربية للتحالف مع شيخ هذه القبيلة أو تلك، وقرأت مذكرات بن جوريون التي يحاسب فيها نفسه في كل ليلة على ما أنجزه لدولة إسرائيل اليوم. نعم.. لابد من أن تحسد إسرائيل وتنبهر بها وهذا لا يتعارض مع ذروة المقت والكراهية. ما أرشق البعوضة التي لدغتك فأصابتك بالملاريا.. ما أجملها من أداة قتل متقنة!

في 1 فبراير/ شباط نقابل مناسبة مهمة في إسرائيل؛ هي وفاة رائد الفضاء الإسرائيلي إيلي رامون على متن المكوك كولومبيا.. في مصر نقابل حادثين لم ينسهما أحد: في العام 2011 كان ذلك المشهد الأسطوري الذي لا يصدق: الجمال والخيول تجري في ميدان التحرير، وعليها رجال مدججون بالسلاح… كيف استطاع هؤلاء اختراق قوات الجيش للوصول لميدان التحرير؟ هل توقعوا أنهم قادرون على تنظيف الميدان من البحر البشري الكثيف؟

بعد هذا بعام واحد تجري حوادث مذبحة بورسعيد المروعة.. وهي مذبحة لم تتضح كل تفاصيلها بعد ككل ألاعيب الثورة المضادة في الواقع، وإن بدا واضحًا أنها انتقام من ألتراس الأهلي.

شعور بالغصة يغمرني عندما أقارن ما حدث في إسرائيل يوم 1 فبراير/ شباط، بما حدث في مصر في ذات اليوم. المقارنة بين تجربة فضاء فشلت، وبين حشد جيوش البلطجية للقضاء على ثورة تحالف ضدها عصر مبارك كله.

بالنسبة لإيلي رامون، هي قصة ساحرة عن رائد حمل معه للفضاء كل ثقافته الإسرائيلية، لدرجة أن الحاخامات راحوا يبحثون عن حيلة يمكن بها للرائد أن يتحاشى العمل يوم السبت (ساباث).

كان رامون طيارًا مقاتلاً حارب ضدنا في 6 أكتوبر/ تشرين الأول، وقد لقي حتفه عام 2003 في العملية STS-107 مع ستة رواد فضاء آخرين أثناء دخول المكوك عائدًا من الفضاء. ولد في بئر سبع عام 1945 لأسرة ألمانية بولندية من الناجين من المحرقة. بعد تخرجه في الجامعة عمل مدربًا للطيران.. وفي العام 1981 شارك في عملية أوبرا.. العملية التي استطاعت بها إسرائيل أن تدمر المفاعل العراقي أوزيراك.

ترقى بعد ذلك في مجال الطيران.. وطار ما يزيد على 3000 ساعة على الميراج و1000 ساعة على F-16.

لدى إسرائيل برنامج فضائي طموح، يقوم على دراسة جزئيات الغبار والمادة الكونية السوداء وبالطبع نواحي التجسس كاملة. كتبت في العام 2006 مقالاً كاملاً طويلاً عن نشاط إسرائيل الفضائي، لكني لا أجده في أي مكان للأسف.

في العام 2003، اختير رامون للطيران على متن المكوك الأمريكي كولومبيا. استغرقت الرحلة 16 يومًا، أجرى فيها الطاقم 80 تجربة مهمة.

برغم أنه أقرب للعلمانية، كان رامون حريصًا على الالتزام بالديانة اليهودية في الفضاء لأنه شعر بأنه يمثل كل يهود العالم. وكان يصر على أكل طعام الكوشير اليهودي. حمل معه كذلك للفضاء – كالعادة – لوحة رسمتها فتاة يهودية مراهقة وهي في المحرقة. كان يحمل كذلك معه لفافة أثرية من التوراة.. الحقيقة أنك لو قرأت عدد الرموز اليهودية التي أخذها معه لشككت في أنه افتتح معبدًا يهوديًا في الفضاء.

عندما انتهت المهمة وعاد المكوك، انفجر قبل الهبوط واحترق تمامًا بمن عليه، وصار رامون بطلاً قوميًا إسرائيليًا .

ظلت عشرون صفحة سليمة من مذكرات رامون على المكوك.. أي أن المكوك احترق في أجواز الفضاء وبرغم هذا نجت صفحات من مذكراته واستطاع علماء الشرطة أن يعيدوها لحالتها الأولى. هم يؤمنون أن هذه معجزة ربانية.. الأمر يذكرك بحادث مركز التجارة عندما انصهر الفولاذ لكن بقيت جوازات سفر منفذي العملية!

فيما بعد صار ابنه طيارًا متألقًا، لكنه لقي مصرعه في سقوط طائرته وهو في سن 21 عامًا..

هذا عن إسرائيل..

فإذا انتقلنا إلى حبيبتي مصر يوم 2 فبراير/ شباط عام 2011، فلسوف نقابل أشياء غريبة كما قلنا: جمال وخيول وسنج وبلطجية يجتاحون ميدان التحرير، واجتماع لأثرياء عصر مبارك من أجل هذه الخطة الشيطانية.

بعد عام واحد ننتقل لبورسعيد، يوم الأربعاء 1 فبراير/ شباط.. حيث أعنف وأبشع حادث شغب في تاريخ الملاعب العالمية، ويؤمن الجميع أن الأمر ليس شغبًا بالضبط، بل هو مزيج من عقاب الثورة المضادة لألتراس الأهلي الذين لعبوا دورًا مؤثرًا في ثورة يناير/ كانون الثاني، وهناك من قال إنها بغرض الفوضى للفوضى كما كانت الموضة في تلك الأيام.

فريق المصري منتصر 3 – 1.. المباراة انتهت. فجأة يهبط آلاف الأشخاص الملعب ليضربوا جمهور الأهلي من دون سبب.. وقيل إن السبب هو لافتة تقول: "بورسعيد بلد بالة" حملها أحد مشجعي الأهلي وفجرت الأوضاع.

في النهاية كانت مذبحة أقوى بمراحل من قدرات الشرطة.. ويقدر عدد القتلى بـ72 واحدًا. وقعوا في مصيدة لعينة لا يمكن الهرب منها، وأمام ممرات هرب ضيقة. كان لابد من تدخل الجيش للسيطرة على الجماهير ومنع الاحتكاك.

هكذا نجد يومي 1 و2 فبراير/ شباط يعكسان بوضوح ما وصلته إسرائيل وما وصلناه نحن. والمشكلة هي أن الفجوة تتسع بلا توقف. لهذا أكرر دومًا أنني أكره إسرائيل كراهية التحريم، لكني لا أكف كذلك عن ترديد: «عقبى لنا يا رب»